للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صِنْفٌ مِنْ الرَّافِضَةِ يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ وَيَقْضُونَ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ قَاضِيهِمْ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْبُغَاةِ نَعَمْ إنْ بَيَّنُوا السَّبَبَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ وَيُقْبَلُ قَضَاءُ قَاضِيهِمْ بَعْدَ اعْتِبَارِ صِفَاتِ الْقَاضِي فِيهِ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ قَضَاءُ قَاضِينَا؛ لِأَنَّ لَهُمْ تَأْوِيلًا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ شَاهِدُ الْبُغَاةِ أَوْ قَاضِيهمْ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَشَرْطُ الشَّاهِدِ وَالْقَاضِي الْعَدَالَةُ هَذَا مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ.

وَأَصْلُهَا هُنَا عَنْ الْمُعْتَبَرِينَ وَجَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَقَضَاءِ قَاضِيهِمْ بَيْنَ مَنْ يَسْتَحِلُّ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ أَمْ لَا لِأَنَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ بِلَا تَأْوِيلٍ وَمَا هُنَاكَ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّهُ بِتَأْوِيلٍ

وَمَا أَتْلَفَهُ بَاغٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ عَلَى عَادِلٍ وَعَكْسُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِتَالٍ لِضَرُورَتِهِ، بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ أَوْ فِيهِ لَا لِضَرُورَتِهِ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِتْلَافَاتِ نَعَمْ إنْ قَصَدَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِإِتْلَافِ الْمَالِ إضْعَافَهُمْ وَهَزِيمَتَهُمْ لَمْ يَضْمَنُوا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.

فَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ فِي قِتَالٍ لِضَرُورَتِهِ فَلَا ضَمَانَ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ؛ لِأَنَّ الْوَقَائِعَ الَّتِي جَرَتْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ كَوَقْعَةِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ لَمْ يَطْلُبْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِضَمَانِ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ وَهَذَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشَّوْكَةِ وَالتَّأْوِيلِ، فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ حَالَانِ: الْأَوَّلُ الْبَاغِي الْمُتَأَوِّلُ بِلَا شَوْكَةٍ يَضْمَنُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَلَوْ حَالَ الْقِتَالِ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ. وَالثَّانِي لَهُ شَوْكَةٌ بِلَا تَأْوِيلٍ وَهَذَا كَبَاغٍ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ فِي الْبَاغِينَ لِقَطْعِ الْفِتْنَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وَهُوَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

لَهُ أَيْ اعْتِقَادِهِمْ صِدْقَهُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مِنْهُمْ كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ ظَاهِرُ التَّأْوِيلِ يُفِيدُ أَنَّهُ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ فَحَرِّرْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ) أَيْ بِمَا يَرَوْهُ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونُوا. . . إلَخْ أَيْ لَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْبُغَاةِ أَيْ قَبُولُ الشَّهَادَةِ بَلْ كُلُّ مُبْتَدِعٍ لَا يَفْسُقُ بِبِدْعَتِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. كَمَا قَالَهُ ع ش: وَعِبَارَةُ م د وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا أَيْ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَقَضَاءِ قَاضِيهِمْ. قَوْلُهُ: (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ بَيَّنُوا السَّبَبَ فَيَقُولُونَ رَأَيْنَاهُ بَاعَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ لَهُمْ تَأْوِيلًا) تَعْلِيلٌ لِقَبُولِ قَضَاءِ قَاضِيهِمْ.

قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ) أَيْ بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ: (دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يُكَفَّرُونَ بِاسْتِحْلَالِ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْعَدَالَةَ دُونَ الْإِسْلَامِ وَلَعَلَّهُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ لَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَلَمْ يَقُلْ لِكُفْرٍ لِإِمْكَانِ التَّأْوِيلِ أَيْ لِإِمْكَانِ وُجُودِ التَّأْوِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَهُ الْآنَ.

قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ شَاهِدُ الْبُغَاةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا اسْتَحَلُّوهُ بِالْبَاطِلِ عُدْوَانًا لِيَتَوَصَّلُوا بِهِ إلَى إرَاقَةِ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا. وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِحْلَالٌ خَارِجَ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَكُلُّ الْبُغَاةِ يَسْتَحِلُّونَهَا حَالَةَ الْحَرْبِ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ مُسْتَحِلِّ الدَّمِ وَالْمَالِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْقَاضِي كَالشَّاهِدِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُؤَوِّلِ لِذَلِكَ تَأْوِيلًا مُحْتَمَلًا. وَمَا هُنَا عَلَى خِلَافِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) أَيْ الْبِدَعِ.

قَوْلُهُ: (وَمَا أَتْلَفَهُ) مُبْتَدَأٌ وَعَكْسُهُ عَطْفٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: ضَمِنَ كُلٌّ. . . إلَخْ. خَبَرٌ وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ. . . إلَخْ اعْتِرَاضٌ أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ: ضَمِنَ. . . إلَخْ جَوَابُ الشَّرْطِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: وَلَا يَتَّصِفُ إتْلَافُهُمْ بِإِبَاحَةٍ وَلَا تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يُتْلِفُهُ الْكُفَّارُ حَالَ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ ز ي.

وَعِبَارَةُ ق ل. فَلَا يُوصَفُ إتْلَافُهُمْ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِتَأْوِيلِهِمْ. وَبِذَلِكَ فَارَقَ حُرْمَةَ إتْلَافِ الْحَرْبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ أَيْضًا وَعَكْسُهُ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِتْلَافَاتِ) وَهُوَ الضَّمَانُ.

قَوْلُهُ: (إضْعَافُهُمْ) أَيْ عَنْ الْقِتَالِ. قَوْلُهُ: (اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَمَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الْبُغَاةِ وَعَكْسُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُتْلِفُ وَغَيْرُهُ فِي أَنَّ الْمُتْلَفَ وَقَعَ فِي الْقِتَالِ أَوْ فِي غَيْرِهِ صُدِّقَ الْمُتْلِفُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (فَلَهُ) أَيْ لِلْفَاقِدِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: فَقَدْ.

قَوْلُهُ: (كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ. قَوْلُهُ: (كَبَاغٍ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ) أَيْ فَلَا يَضْمَنُ حَالَ الْقِتَالِ لِضَرُورَتِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>