للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْجُودٌ هُنَا.

وَلَا يُقَاتِلُ الْإِمَامُ الْبُغَاةَ حَتَّى يَبْعَثَ لَهُمْ أَمِينًا فَطِنًا إنْ كَانَ الْبَعْثُ لِلْمُنَاظَرَةِ نَاصِحًا لَهُمْ يَسْأَلُهُمْ عَمَّا يَكْرَهُونَ اقْتِدَاءً بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ إلَى أَهْلِ النَّهْرَوَانِ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلَمَةً أَوْ شُبْهَةً أَزَالَهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِقِتَالِهِمْ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ، فَإِنْ أَصَرُّوا نَصَحَهُمْ وَوَعَظَهُمْ، فَإِنْ أَصَرُّوا أَعْلَمَهُمْ بِالْقِتَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ أَوَّلًا بِالْإِصْلَاحِ ثُمَّ بِالْقِتَالِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ طَلَبُوا مِنْ الْإِمَامِ الْإِمْهَالَ اجْتَهَدَ، وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا

(وَلَا يُقْتَلُ) مُدْبِرُهُمْ وَلَا مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ الْقِتَالِ وَلَا (أَسِيرُهُمْ وَلَا يُذَفَّفُ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا يُسْرَعُ (عَلَى جَرِيحِهِمْ) بِالْقَتْلِ (وَلَا يُغْنَمُ مَالُهُمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: ٩] وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَرَ مُنَادِيَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ فَنَادَى: لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَلِأَنَّ قِتَالَهُمْ شُرِعَ لِلدَّفْعِ عَنْ مَنْعِ الطَّاعَةِ وَقَدْ زَالَ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهَمُ مِنْ مَنْعِ قَتْلِ هَؤُلَاءِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِمْ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا قِصَاصَ لِشُبْهَةِ أَبِي حَنِيفَةَ

وَلَا يُطْلَقُ أَسِيرُهُمْ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَرْبُ. وَيَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ وَلَا يُتَوَقَّعَ عَوْدُهُمْ إلَّا أَنْ يُطِيعَ الْأَسِيرُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَلَا يُقَاتِلُ الْإِمَامُ) هَذَا شُرُوعٌ فِي حُكْمِ قِتَالِ الْبُغَاةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا كَالْكُفَّارِ بَلْ كَالصَّائِلِ. وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ لَيْسَ كَقِتَالِ الْكُفَّارِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ هَذَا بِخِلَافِ الْكُفَّارِ، فَيُقَاتَلُونَ مِنْ غَيْر بَعْثٍ. الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ بِمَا يَعُمُّ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ لَا يُحَاصَرُونَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ اهـ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُقَاتِلُ أَيْ لَا يَجُوزُ فَيَحْرُمُ حَتَّى يَبْعَثَ فَيَجُوزُ أَيْ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَنْعٍ فَعُلِمَ أَنَّ قِتَالَهُمْ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَكَذَا الْبَعْثُ وَيَجِبُ فِي قِتَالِهِمْ مَا فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ مِنْ صَبْرِ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْعَثَ) أَيْ وُجُوبًا.

وَقَوْلُهُ: أَمِينًا فَطِنًا أَيْ نَدْبًا إنْ بَعَثَ لِمُجَرَّدِ السُّؤَالِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُنَاظَرَةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأَهُّلِهِ لِذَلِكَ كَذَا فِي ز ي وَح ل.

قَوْلُهُ: (أَمِينًا) أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا عَدْلًا عَارِفًا بِالْعُلُومِ أَيْ وَبِالْحُرُوبِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِفَاسِقٍ وَلَوْ كَافِرًا حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَنْقُلُ خَبَرَهُمْ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَأَنَّهُمْ يَثِقُونَ بِهِ فَيَقْبَلُونَ كُلَّ مَا يَقُولُ: كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَفَائِدَةُ الْبَعْثِ أَنَّهُ يُنَبِّهُهُمْ عَلَى مَا يَحْصُلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَرْبِ وَطُرُقِهِ لِيُوقِعَ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ فَيَنْقَادُوا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (النَّهْرَوَانُ) قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ بَغْدَادَ خَرَجَتْ عَلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (مَظْلَمَةً) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْ إنْ كَانَتْ مَصْدَرًا مِيمِيًّا فَإِنْ كَانَ اسْمًا لِمَا يُظْلَمُ بِهِ فَبِالْكَسْرِ فَقَطْ. اهـ. ز ي. قَالَ الْمُرَادِيُّ: الْفَتْحُ هُوَ الْقِيَاسُ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ وَالْقِيَاسُ فِيهَا الْفَتْحُ وَمَا جَاءَ مَكْسُورًا فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَصَرُّوا) أَيْ بَعْدَ الْإِزَالَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَصَرُّوا أَعْلَمَهُمْ بِالْقِتَالِ) أَيْ وُجُوبًا وَحِينَئِذٍ يُقَاتِلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا بِهِ وَقَبْلَ ذَلِكَ مُرَتَّبَةً ذَكَرَهَا فِي الْمَنْهَجِ وَهِيَ فَإِنْ أَصَرُّوا أَعْلَمَهُمْ بِالْمُنَاظَرَةِ أَيْ الْمُبَاحَثَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي إبْطَالِ شُبَهِهِمْ أَوْ إثْبَاتِهَا. وَقَوْلُهُ: أَعْلَمَهُمْ بِالْمُنَاظَرَةِ أَيْ وُجُوبًا.

قَوْلُهُ: (وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا) بِأَنْ يُؤَخِّرَ قِتَالَهُمْ إنْ كَانَ اسْتِمْهَالُهُمْ لِلتَّأَمُّلِ فِي رُجُوعِهِمْ وَلَا يَتَقَيَّدُ الْإِمْهَالُ بِمُدَّةٍ وَلَا يُؤَخِّرُهُ إنْ ظَهَرَ أَنَّ اسْتِمْهَالَهُمْ لِأَجْلِ مَدَدٍ أَوْ عَدَدٍ يَسْتَعِينُونَ بِهِمْ عَلَى قِتَالِنَا.

قَوْلُهُ: (مُدْبِرُهُمْ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ ق ل. لِأَنَّ الْقَصْدَ رَدُّهُمْ لِلطَّاعَةِ، وَيُقَاتِلُهُمْ بِالْأَسْهَلِ، فَالْأَسْهَلِ؛ لِأَنَّهُمْ كَالصَّائِلِ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (فَنَادَى لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ) وَقَدْ اسْتَثْنَى الْإِمَامُ مَا إذَا أَيِسَ مِنْ صُلْحِهِمْ لِتَمَكُّنِ الضَّلَالِ مِنْهُمْ وَخَشِيَ عَوْدَهُمْ عَلَيْهِ بِشَرٍّ. فَيَجُوزُ الْإِتْبَاعُ وَالتَّذْفِيفُ كَمَا فَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْخَوَارِجِ. اهـ. سم.

قَوْلُهُ: (مِنْ مَنْعِ قَتْلِ هَؤُلَاءِ) أَيْ الْمُدْبِرِ وَالْأَسِيرِ وَالْجَرِيحِ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَجِبُ دِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ ق ل. وَهَذَا فِي خُصُوصِ الْمُدْبِرِينَ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمْ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَقْسَامِ فَفِيهِمْ الْقِصَاصُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ. قَوْلُهُ: (لِشُبْهَةِ أَبِي حَنِيفَةَ) فَإِنَّهُ يَرَى قَتْلَ مُدْبِرِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>