للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

وَبَعْدُ

فَيَقُولُ فَقِيرُ رَحْمَةِ رَبِّهِ الْقَرِيبِ الْمُجِيبِ مُحَمَّدٌ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: إنَّ مُخْتَصَرَ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ، الْحَبْرِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِقَوْلِ ضَرَّاتِهَا قُولِي لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا حَرُمْنَ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ حَيٌّ فِي قَبْرِهِ، وَرِعَايَةً لِشَرَفِهِ، وَلِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَلِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْجَنَّةِ مَعَ آخِرِ أَزْوَاجِهَا، وَيَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ حَيٌّ فِي قَبْرِهِ بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ أَزْوَاجَهُمْ يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ التَّزَوُّجُ بِهِنَّ مَعَ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ، وَكَذَا الشُّهَدَاءُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ التَّزَوُّجُ بِنِسَائِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ، فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّعَالِيلِ اللَّاتِي بَعْدَهُ وَنِسَاءُ بَاقِي الْأَنْبِيَاءِ. يَحْرُمْنَ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ.

مَبْحَثُ عَدَدِ أَوْلَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ: (وَذُرِّيَّتِهِ) أَيْ أَوْلَادِهِ، وَجُمْلَةُ أَوْلَادِهِ سَبْعٌ: أَرْبَعٌ مِنْ الْإِنَاثِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ الذُّكُورِ، وَتَرْتِيبُهُمْ فِي الْوِلَادَةِ هَكَذَا الْقَاسِمُ فَزَيْنَبُ فَرُقَيَّةُ فَفَاطِمَةُ فَأُمُّ كُلْثُومٍ فَعَبْدُ اللَّهِ فَإِبْرَاهِيمُ، وَمَا قِيلَ لَهُ مِنْ أَنَّ وَلَدَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُمَا الطَّيِّبُ وَالطَّاهِرُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا لَقَبَانِ لِعَبْدِ اللَّهِ، وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى هَذَا التَّرْتِيبِ بِقَوْلِهِ:

يَا رَبَّنَا بِالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ... فَبِزَيْنَبٍ فَرُقَيَّةٍ فَبِفَاطِمَهْ

فَبِأُمِّ كُلْثُومٍ فَعَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ ... بِحَقِّ إبْرَاهِيمَ نَجِّي نَاظِمَهْ

اهـ وَكُلُّهُمْ مِنْ خَدِيجَةَ إلَّا إبْرَاهِيمُ فَإِنَّهُ مِنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ. قَوْلُهُ: (الطَّيِّبِينَ) أَيْ الْخَالِصِينَ مِنْ شَوَائِبِ الْكُدُورَاتِ وَقَوْلُهُ: (الطَّاهِرِينَ) أَيْ الْخَالِصِينَ مِنْ النَّقَائِصِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، وَفِي هَذَيْنِ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ لِشَرَفِهِمْ.

قَوْلُهُ: (دَائِمَيْنِ) لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْرَبَ نَعْتًا لِصَلَاةٍ وَسَلَامًا لِأَنَّهُمَا مَعْمُولَانِ لِصَلَّى وَسَلَّمَ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ مَعْنًى، وَقَدْ صَرَّحَ النُّحَاةُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَعْتُ مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ إلَّا إذَا اتَّحَدَ عَامِلَاهُمَا مَعْنًى وَعَمَلًا وَإِلَّا وَجَبَ الْقَطْعُ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:

وَنَعْتُ مَعْمُولَيْ وَحِيدَيْ مَعْنَى ... وَعَمَلٍ أَتْبِعْ بِغَيْرِ اسْتِثْنَا

مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الْعَامِلَانِ مَعْنًى وَعَمَلًا أَوْ عَمَلًا فَقَطْ أَوْ مَعْنًى فَقَطْ لَا يَجُوزُ الْإِتْبَاعُ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يُقْطَعَ وَيُعْرَبَ مَعْمُولًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، لِأَنَّ نَعْتَ النَّكِرَةِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ إذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ بِدُونِهِ، فَحِينَئِذٍ الْأَوْلَى جَعْلُهُ حَالًا مِنْ صَلَاةً وَسَلَامًا، وَلَا يُشْكِلُ بِوُجُوبِ تَعْرِيفِ صَاحِبِ الْحَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسَوِّغِ لِتَنْكِيرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَالِبٌ وَهَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ عَلَى حَدِّ: " وَصَلَّى وَرَاءَهُ رِجَالٌ قِيَامًا " اهـ شَيْخُنَا ح ف. وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ يَرْجِعُ مَعْنَاهُمَا إلَى طَلَبِ زِيَادَةِ الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ اللَّفْظِ وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنْ الْبُعْدِ. قَالَ الشَّنَوَانِيُّ فِي حَوَاشِي الْفَاكِهِيِّ: وَإِنَّمَا أَبَّدَ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ دُونَ الْحَمْدِ وَإِنْ صَحَّ تَأْبِيدُهُ أَيْضًا لِاسْتِغْنَاءِ اللَّهِ عَنْ تَأْبِيدِ الْحَمْدِ، وَمَعْنَى تَأْبِيدِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ تَأْبِيدُ ثَمَرَتِهِمَا وَهِيَ الرَّحْمَةُ وَالتَّحِيَّةُ، وَإِلَّا فَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اللَّذَانِ صَدَرَا مِنْ الْمُؤَلِّفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَسَلَامٌ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ: (إلَى يَوْمِ الدِّينِ) أَيْ الْجَزَاءِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْمَطْلُوبُ اسْتِمْرَارُهُمَا فَكَيْفَ غَيَّاهُمَا بِذَلِكَ؟ قُلْت: إنَّمَا غَيَّا بِيَوْمِ الدِّينِ جَرْيًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ يُغَيُّونَ بِذَلِكَ عِنْدَ إرَادَةِ التَّأْبِيدِ، وَإِلَّا فَالثَّوَابُ لَا يَنْقَطِعُ أَصْلًا.

قَوْلُهُ: (وَبَعْدُ) مِنْ هُنَا إلَى بَسْمَلَةِ الْمَتْنِ فِيهِ كَلَامٌ مُسَجَّعٌ وَفِيهِ كَلَامٌ غَيْرُ مُسَجَّعٍ يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ، وَالْمُسَجَّعُ مِنْهُ أَرْبَعُونَ سَجْعَةً بَعْضُهَا عَلَى الْبَاءِ وَبَعْضُهَا عَلَى التَّاءِ وَبَعْضُهَا عَلَى الدَّالِ وَبَعْضُهَا عَلَى اللَّامِ، وَهَذَا الْكَلَامُ اشْتَمَلَ عَلَى أَغْرَاضٍ: الْأَوَّلُ مَدْحُ صَاحِبِ الْمَتْنِ، وَالثَّانِي مَدْحُ الْمَتْنِ، وَالثَّالِثُ مَدْحُ الشَّرْحِ، وَالرَّابِعُ مَدْحُ الشَّارِحِ، وَالْخَامِسُ تَسْمِيَةُ الْكِتَابِ، وَالسَّادِسُ التَّوَسُّلُ إلَى اللَّهِ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى إكْمَالِهِ وَجَعْلِهِ خَالِصًا، وَفِي ضِمْنِ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ بَيَانُ السَّبَبِ الْحَامِلِ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>