للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَاوِي الصَّغِيرِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَهَذَا الْخِلَافُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ. وَأَمَّا الْمَالُ فَيَثْبُتُ قَطْعًا.

وَيَثْبُتُ قَطْعُ السَّرِقَةِ بِإِقْرَارِ السَّارِقِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَوْلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ:

الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فَلَوْ أَقَرَّ قَبْلَهَا لَمْ يَثْبُتْ الْقَطْعُ فِي الْحَالِ بَلْ يُوقَفُ عَلَى حُضُورِ الْمَالِكِ وَطَلَبِهِ. وَالثَّانِي أَنْ يُفَصِّلَ الْإِقْرَارَ فَيُبَيِّنَ السَّرِقَةَ وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ وَقَدْرَ الْمَسْرُوقِ وَالْحِرْزَ بِتَعْيِينٍ، أَوْ وَصْفٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ غَيْرَ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ سَرِقَةً مُوجِبَةً لَهُ. وَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ، لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ أَقَرَّ بِمُقْتَضَى عُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ. كَأَنْ يَقُولَ لَهُ فِي الزِّنَا: لَعَلَّك فَاخَذْتَ، أَوْ لَمَسْتَ، أَوْ بَاشَرْتَ، وَفِي السَّرِقَةِ: لَعَلَّك أَخَذْتَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. وَفِي الشُّرْبِ لَعَلَّك لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ مَا شَرِبْتَهُ مُسْكِرًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لِمَنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِالسَّرِقَةِ. «مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ قَالَ: بَلَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالشَّرَابَ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهَا) وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَدَّمَهُ فِي حَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْقَطْعُ وَيَثْبُتُ بِهَا الْمَالُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ) أَوْضَحُ مِنْ هَذَا مَا عَلَّلَ بِهِ الطَّبَلَاوِيُّ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ، وَإِنْ كَانَتْ كَالْإِقْرَارِ إلَّا أَنَّ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ بِمَنْزِلَةِ رُجُوعِهِ، وَرُجُوعَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ مَقْبُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَطْعِ وَهُوَ حَسَنٌ. وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. اهـ. سم.

قَوْلُهُ: (بِإِقْرَارِ السَّارِقِ) أَيْ حُرًّا كَانَ الْمُقِرُّ، أَوْ رَقِيقًا إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ دُونَ نِصَابٍ فَإِنْ كَانَ نِصَابًا وَأَقَرَّ بِسَرِقَتِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَثْبُتُ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.

قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ ثُبُوتُ الْقَطْعِ بِالْإِقْرَارِ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَثْبُتْ الْقَطْعُ) أَمَّا الْمَالُ فَيَثْبُتُ.

قَوْلُهُ: (وَطَلَبِهِ) فَلَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ الطَّلَبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. م ر شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يُفَصِّلَ الْإِقْرَارَ) وَلَوْ مِنْ فَقِيهٍ مُوَافِقٍ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِهَا اشْتَبَهَ وَوَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ. اهـ. س ل مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ شَرْحِ م ر وَفِي ح ل مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (فَيُبَيِّنُ السَّرِقَةَ) فَيَذْكُرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ خِفْيَةً، وَالشَّخْصَ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لِيُنْظَرَ فَرُبَّمَا يَكُونُ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا، أَوْ سَيِّدًا.

قَوْلُهُ: (وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ) أَيْ أَهُوَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌو وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْحِرْزَ، لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدُ. اهـ. زي.

قَوْلُهُ: (وَقَدْرَ الْمَسْرُوقِ) وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ نِصَابٌ لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهِ وَفِي قِيمَتِهِ لِلْحَاكِمِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: وَلَا أَعْلَمُ لِي فِيهِ شُبْهَةً زي وَشَرْحَ م ر وح ل.

قَوْلُهُ: (وَالْحِرْزَ) أَيْ وَيُبَيِّنُ الْحِرْزَ.

قَوْلُهُ: (بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ) وَأَمَّا الْمَالُ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِمُقْتَضِي عُقُوبَةٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَقَوْلُهُ: كَالزِّنَا مِثَالٌ لَهُ.

قَوْلُهُ: (كَالزِّنَا) يُفِيدُ صِحَّةَ الرُّجُوعِ فِي أَثْنَاءِ الْقَطْعِ فَلَوْ بَقِيَ مَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ قَطَعَهُ هُوَ وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ قَطْعُهُ وَلَا يُقْبَلُ عَوْدُهُ إلَى الْإِقْرَارِ بَعْدَ رُجُوعِهِ عَنْهُ وَلَوْ أَقَرَّ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَحَكَمَ حَاكِمٌ عَلَيْهِ فَفِيهِ مَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الزِّنَا، فَرَاجِعْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَانْظُرْ فِيمَا لَوْ قَطَعَ بَعْدَ الرُّجُوعِ هَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ، أَوْ الْقَطْعُ، أَوْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ حَرِّرْهُ الرَّاجِحُ وُجُوبُ الدِّيَةِ نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِ الرُّجُوعِ وَخَرَجَ بِالْإِقْرَارِ الْبَيِّنَةُ وَبِالْعُقُوبَةِ الْمَالُ، وَبِاَللَّهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَحِلُّ التَّعْرِيضُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَعِبَارَةُ شَرْحٍ م ر، وَأَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَحِلُّ التَّعْرِيضُ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الرُّجُوعُ فِيهِ شَيْئًا وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ حَمْلًا عَلَى مُحَرَّمٍ فَهُوَ كَتَعَاطِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ.

قَوْلُهُ: (كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ) أَيْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ فَرْضَ الْكَلَامِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَمَّا قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَيُنْدَبُ لَهُ التَّعْرِيضُ بِالرُّجُوعِ وَمِثْلُ الْقَاضِي غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ اهـ وَعِبَارَةُ م ر كَانَ لِلْقَاضِي أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَيْسَ سُنَّةً خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ.

وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ جَوَازًا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَنَدْبًا قَبْلَهُ لِيَمْتَنِعَ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا: وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ الْمَالِ بِعَدَمِ إقْرَارِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَرَاجِعْهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ إنْكَارِ الْمَالِ وَكَذَا لَهُ أَنْ يُعَرِّضَ لِلشُّهُودِ لِيَمْتَنِعُوا مِنْ الشَّهَادَةِ، أَوْ يَرْجِعُوا عَنْهَا وَالْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ فِيهِ مَا يَعُمُّ مَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَكَذَا قَبْلَ الْإِنْكَارِ. نَعَمْ إنْ خِيفَ إنْكَارُ الْمَالِ لَمْ يَحِلَّ التَّعْرِيضُ اهـ. وَقَضِيَّةُ تَخْصِيصِهِمْ الْجَوَازَ بِالْقَاضِي حُرْمَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَالْأَوْجَهُ جَوَازُهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (مُسْكِرًا) الْأَوْلَى مُسْكِرٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>