للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتُقْطَعُ مِنْ الْمَفْصِلِ الَّذِي بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ لِلْإِتْبَاعِ فِي ذَلِكَ. (فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا) بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى. (قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى) بَعْدَ انْدِمَالِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى لِمَا مَرَّ. (فَإِنْ سَرَقَ رَابِعًا) بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى (قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى) بَعْدَ انْدِمَالِ يَدِهِ الْيُسْرَى لِمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ: «إنَّ السَّارِقَ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» . وَحِكْمَتُهُ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ فَتَضْعُفَ حَرَكَتُهُ كَمَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ.

(فَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ قَطْعِ أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَةِ. (عُزِّرَ) عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي نَكَالِهِ بَعْدَ مَا ذُكِرَ إلَّا التَّعْزِيرُ كَمَا لَوْ سَقَطَتْ أَطْرَافُهُ أَوَّلًا.

(وَقِيلَ) لَا يَزْجُرُهُ حِينَئِذٍ تَعْزِيرًا بَلْ (يُقْتَلُ) وَهَذَا مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْقَدِيمِ لِوُرُودِهِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَهُ لِاسْتِحْلَالِهِ، أَوْ لِسَبَبٍ آخَرَ اهـ. وَالْإِمَامُ أَطْلَقَ حِكَايَةَ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ الْقَدِيمِ، كَمَا تَرَاهُ وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِهِ (صَبْرًا) قَالَ بَعْضُ شَارِحِيهِ: وَلَمْ أَرَهُ بَعْدَ التَّتَبُّعِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْحَاكِينَ لَهُ بَلْ أَطْلَقَهُ مَنْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِهِ مِنْهُمْ فَلَعَلَّ مَا قَيَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَصَرُّفِهِ أَوَّلَهُ فِيهِ سَلَفٌ لَمْ أَظْفَرْ بِهِ وَعَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ اهـ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ الصَّبْرُ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ وَقَتَلَهُ صَبْرًا حَبَسَهُ لِلْقَتْلِ اهـ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ فِي صِحَاحِهِ يُقَالُ قُتِلَ فُلَانٌ صَبْرًا إذَا حُبِسَ عَلَى الْقَتْلِ حَتَّى يُقْتَلَ اهـ مُلَخَّصًا.

تَتِمَّةٌ: هَلْ يَثْبُتُ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ أَوْ لَا كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى شَخْصٍ سَرِقَةَ نِصَابٍ فَيَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَتُرَدَّ عَلَى الْمُدَّعِي فَيَحْلِفَ؟

جَرَى فِي الْمِنْهَاجِ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَا فَيَجِبُ الْقَطْعُ. لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ، أَوْ الْبَيِّنَةِ وَالْقَطْعُ يَجِبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِي الْيَمِينِ مِنْ الدَّعَاوَى وَمَشَى عَلَيْهِ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْيَدَ وَالرِّجْلَ فِيهَا حَدٌّ وَاحِدٌ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ قَطْعِ الرِّجْلِ عَلَى الْيَدِ فِيهَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ انْدِمَالِ يَدِهِ إلَخْ فَلَوْ وَالَى بَيْنَهُمَا فَمَاتَ الْمَقْطُوعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِئَلَّا يُفْضِيَ التَّوَالِي إلَى الْهَلَاكِ.

قَوْلُهُ: (إنَّ السَّارِقَ إنْ سَرَقَ إلَخْ) بِكَسْرِ هَمْزَةِ إنَّ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ رَوَى هَذَا اللَّفْظَ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُجْمَلًا لَكِنْ بَيَّنَتْهُ أَدِلَّةٌ أُخْرَى.

قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُقَالُ: إنَّهَا فَاتَتْ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى بَعْدَ الْيُمْنَى إنْ سَرَقَ ثَانِيًا لَفَاتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْيَدَيْنِ اهـ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَحِكْمَةُ اخْتِصَاصِ الْقَطْعِ بِالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا آلَاتُ السَّرِقَةِ بِالْأَخْذِ وَالْمَشْيِ وَقُدِّمَتْ الْيَدُ لِقُوَّةِ بَطْشِهَا، وَقُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِإِبْقَاءِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطَعْ ذَكَرُ الزَّانِي إبْقَاءً لِلنَّسْلِ، وَلَا لِسَانُ الْقَاذِفِ إبْقَاءً لِلْعِبَادَاتِ، وَغَيْرِهَا كَمَا مَرَّ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ السَّارِقِ مَنْسُوخٌ، أَوْ مُؤَوَّلٌ بِمَنْ اسْتَحَلَّ، أَوْ ضَعِيفٌ بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (تَعْزِيرًا) أَيْ لَا يُزْجَرُ بِالتَّعْزِيرِ. قَوْلُهُ: (الْأَرْبَعَةُ) هُمْ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:

أَعْنِي أَبَا دَاوُد ثُمَّ التِّرْمِذِيَّ ... وَالنَّسَائِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ فَاحْتَذِي

فَإِنْ قِيلَ: السِّتَّةُ زِيدَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

قَوْلُهُ: (وَعَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ أَنَّهُ لَهُ فِيهِ سَلَفٌ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ. أَيْ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ قَتْلًا صَبْرًا م د.

قَوْلُهُ: (قَالَ النَّوَوِيُّ) : غَرَضُهُ بِذَلِكَ تَفْسِيرُ الْقَتْلِ صَبْرًا بِنَقْلِ عِبَارَةِ النَّوَوِيِّ وَعِبَارَةِ الْجَوْهَرِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَقَتَلَهُ صَبْرًا حَبَسَهُ) بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي فِي الْفِعْلَيْنِ.

قَوْلُهُ: (حَبَسَهُ لِلْقَتْلِ) أَيْ لِأَجْلِ الْقَتْلِ وَلَوْ سَاعَةً، ثُمَّ يُقْتَلُ فَلَوْ قُتِلَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَلَا يُقَالُ: قُتِلَ صَبْرًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُحْبَسُ وَيُمْنَعُ الطَّعَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>