للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّصْفَ الْآخَرَ فِي الْأَرْضِ، وَيُعِيرَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ شَائِعًا أَوْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلَ بِنِصْفِ الْبَذْرِ شَائِعًا وَنِصْفِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ كَذَلِكَ لِيَزْرَعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الْبَذْرِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ الْأَرْضِ، فَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الزَّرْعِ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ وَلَا أُجْرَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ، وَلِلْمَالِكِ مِنْ مَنْفَعَتِهِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ، وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا فِي الْمُخَابَرَةِ وَلَا أُجْرَةَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ نِصْفَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَنِصْفِ عَمَلِهِ وَمَنَافِعِ دَوَابِّهِ وَآلَاتِهِ، أَوْ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَيَتَبَرَّعَ بِالْعَمَلِ وَالْمَنَافِعِ. وَلَا بُدَّ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ مِنْ رِعَايَةِ الرُّؤْيَةِ وَتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ.

(وَإِنْ أَكْرَاهُ إيَّاهَا) أَيْ الْأَرْضَ لِلزِّرَاعَةِ (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) أَوْ بِهِمَا مَعًا أَوْ بِعُرُوضٍ كَالْفُلُوسِ وَالثِّيَابِ (أَوْ شَرَطَ لَهُ طَعَامًا مَعْلُومًا فِي ذِمَّتِهِ) قَدْرُهُ وَجِنْسُهُ وَنَوْعُهُ وَصِفَتُهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْمُكْتَرِي (جَازَ) ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ بَلْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ فِيهِ الْإِجْمَاعَ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَعًا أَوْ أَحَدَهُمَا أُجْرَةً لِعَمَلِ الْعَامِلِ وَحْدَهُ وَيُعِيرُ لِلْمَالِكِ نِصْفَ مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ أَوْ عَكْسُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ق ل.

قَوْلُهُ: (مِنْ رِعَايَةِ الرُّؤْيَةِ) أَيْ رُؤْيَةِ الْأُجْرَةِ وَالْمُؤَجِّرُ.

وَقَوْلُهُ: " أَوْ شَرَطَ " أَيْ الْمُكْرِي، وَقَوْلُهُ: " لَهُ " أَيْ لِمُكْرِي، وَقَوْلُهُ: " فِي ذِمَّتِهِ " أَيْ الْمُكْتَرِي. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ بِطَعَامٍ مَعْلُومٍ إلَخْ، بَدَلَ قَوْلِهِ: وَشَرَطَ إلَخْ، وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: بِذَهَبٍ. فَائِدَةٌ: كُلُّ مَنْ زَرَعَ أَرْضًا بِبَذْرِهِ فَالزَّرْعُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَلَّاحًا يَزْرَعُ بِالْمُقَاسَمَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَمَلُ الشَّامِ، وَأَنَا أَرَاهُ وَأَرَى وَجْهَهُ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ أَنَّ الْفَلَّاحَ كَأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْبَذْرِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِالشَّرْطِ الْمَعْلُومِ بَيْنَهُمَا فَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا وَتَعَدَّى شَخْصٌ عَلَى أَرْضٍ وَغَصَبَهَا وَهِيَ فِي يَدِ الْفَلَّاحِ فَزَرَعَهَا عَلَى الْعَادَةِ لَا تَقُولُ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ بَلْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى يَدِ الْمُقَاسَمَةِ؛ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ تَنْفَعُك فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ اهـ مِنْ فَتَاوَى السُّبْكِيّ، وَمِنْهَا نُقِلَتْ. وَهُوَ غَرِيبٌ، أَيْ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، إذَا فِيهِ دُخُولُ الْبَذْرِ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْفَلَّاحِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ فَلْيُحَرَّرْ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ: " الْبَرَكَةُ فِي فَضْلِ السَّعْيِ وَالْحَرَكَةِ وَمَا يُنْجِي بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْهَلَكَةِ " لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَصَّابِيِّ مَا نَصُّهُ: وَعِنْدَ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُزَارَعَةَ وَهِيَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى بَيَاضٍ يَتَخَلَّلُ النَّخْلَ وَالْعِنَبَ تَبَعًا لَهُمَا، وَلَا تَجُوزُ عَلَى أَرْضٍ لَا نَخِيلَ فِيهَا وَلَا عِنَبَ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ الْعَامِلِ؛ لِمَا رَوَى ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ» وَقَالَ: أَحْمَدُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ وَتِلْكَ الْمُزَارَعَةُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ وَهِيَ الْمُخَابَرَةُ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى جَوَازِهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ الْعَامِلِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: زَارَعْتُكَ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ زَرْعِهَا أَوْ ثُلُثَهُ؛ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ» . قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَزَارَعَ عَلِيٌّ وَسَعْدٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاسِمُ وَعُرْوَةُ وَآلُ أَبِي بَكْرٍ وَآلُ عُمَرَ وَآلُ عَلِيٍّ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَامَلَ عُمَرُ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَاءَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ الشَّطْرُ وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَلِكَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ وَالْمُخَابَرَةُ، وَصَنَّفَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِيهَا جُزْءًا وَبَيَّنَ عِلَلَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالنَّهْيِ وَجَمَعَ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ، ثُمَّ تَابَعَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ: ضَعَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثَ النَّهْيِ وَقَالَ: هُوَ مُضْطَرِبٌ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَبْطَلَهَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ وَهِيَ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ، وَتَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ إذَا شَرَطَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا زَرْعَ قِطْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلِآخَرَ أُخْرَى قُلْت بِصِحَّتِهَا؛ وَالْقَوْلُ بِجَوَازِهَا حَسَنٌ يَنْبَغِي

<<  <  ج: ص:  >  >>