للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُنْ غَامِرًا وَلَا حَرِيمًا لِعَامِرٍ قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ أَوْ بَعُدَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ: «مَنْ عَمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَإِحْيَاءُ الْمَوَاتِ جَائِزٌ) بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ وَمَا أَكَلَتْ الْعَوَافِي» أَيْ طُلَّابُ الرِّزْقِ: " مِنْهَا فَهُوَ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ قِسْمَانِ: أَصْلِيٌّ وَهُوَ مَا لَمْ يُعْمَرْ قَطُّ، وَطَارِئٌ وَهُوَ مَا خَرِبَ بَعْدَ عِمَارَتِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: بِقَاعُ الْأَرْضِ إمَّا مَمْلُوكَةٌ أَوْ مَحْبُوسَةٌ عَلَى الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ، وَإِمَّا مُنْفَكَّةٌ عَنْ الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ وَهِيَ الْمَوَاتُ.

وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُحَيِّي مَا أَحْيَاهُ (بِشَرْطَيْنِ) الْأَوَّلُ: (أَنْ يَكُونَ الْمُحَيِّي مُسْلِمًا) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ) خَرَجَ الشَّوَارِعُ وَالْمَقَابِرُ وَحَرِيمُ الْعَامِرِ.

قَوْلُهُ: (مَنْ عَمَرَ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ مِنْ الْعِمَارَةِ، أَمَّا عَمَّرَ بِالتَّشْدِيدِ فَمِنْ التَّعْمِيرِ بِالسِّنِّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: ١٨] وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُهُ: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة: ٩٦] {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} [فاطر: ٣٧] الْآيَةَ أج وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُعْلَمْ الرِّوَايَةُ. وللدنوشري بَيْتٌ مِنْ الطَّوِيلِ:

وَعَمَّرَ بِالتَّشْدِيدِ فِي السِّنِّ قَدْ أَتَى ... كَمَا أَنَّ فِي الْبُنْيَانِ تَخْفِيفُهُ وَجَبْ

قَوْلُهُ: (فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا) أَيْ مُسْتَحِقٌّ لَهَا يَمْلِكُهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ: " فَهِيَ لَهُ " ق ل، فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِحْيَاءُ الْمَوَاتِ) أَيْ عِمَارَةُ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ لِلشَّرْطِ الثَّانِي فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ.

قَوْلُهُ: (فِيهَا أَجْرٌ) أَيْ فِي إحْيَائِهَا أَيْ بِسَبَبِ إحْيَائِهَا، فَ " فِي " سَبَبِيَّةٌ كَمَا فِي: «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ» الْحَدِيثَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: " أَجْرٌ " وَمِنْ قَوْلِهِ " صَدَقَةٌ " عَدَمُ جَوَازِ إحْيَاءِ الْكَافِرِ لِعَدَمِ أَجْرِهِ وَثَوَابِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى صَدَقَتِهِ وَعِتْقِهِ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ فِي الدُّنْيَا بِالْجَاهِ وَالْمَالِ وَالْأَوْلَادِ وَفِي الْآخِرَةِ يُخَفَّفُ عَنْهُ مِنْ عَذَابِ غَيْرِ الْكُفْرِ، وَمِنْ ثَمَّ جَازَ إحْيَاؤُهُ فِي دَرَاهِمِ.

قَوْلُهُ: (الْعَوَافِي) جَمْعُ عَافِيَةٍ. قَوْلُهُ: (مِنْهَا) أَيْ مِنْ زَرْعِهَا، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَوْ أَنَّ مِنْ لِلتَّعْلِيلِ وَالتَّبْعِيضِ مَعًا أَيْ مِنْ أَجَلِهَا وَمِمَّا يَنْبُتُ مِنْهَا فَيَشْمَلُ أَكْلَ الْعُمْلَةِ كَمَا قَالَهُ أج؛ لِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْأُجْرَةَ مِنْ أَجَلِهَا. وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ: «فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ» ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَكُونُ صَدَقَةً فَالتَّبْعِيضُ أَوْلَى. وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجْ فِي الْمِلْكِ هُنَا إلَى لَفْظٍ؛ لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ عَامٌّ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَطَعَهُ أَرْضَ الدُّنْيَا كَأَرْضِ الْجَنَّةِ لِيَقْطَعَ مِنْهُمَا مَا شَاءَ لِمَنْ شَاءَ، وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِكُفْرِ مُعَارِضِ أَوْلَادِ تَمِيمٍ فِيمَا أَقَطَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِأَرْضِ الشَّامِ. اهـ. حَجّ. وَنُوزِعَ السُّبْكِيُّ فِيمَا أَفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْآحَادِ وَلَا نُكَفِّرُ بِخَبَرِ الْآحَادِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا اُشْتُهِرَ عَنْ الصَّحَابَةِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ قِسْمَانِ) هَذَا إنَّمَا يَجْرِي عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ الشَّامِلَةِ لِمَا لَمْ يَعْمُرْ قَطُّ أَوْ عَمُرَ ثُمَّ خَرِبَ، بِخِلَافِهِ عَلَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ الثَّانِيَ مِنْ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا عَمُرَ جَاهِلِيَّةً فَقَطْ ثُمَّ خَرِبَ. قَوْلُهُ: (بِقَاعُ الْأَرْضِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ جَمْعُ بُقْعَةٍ مِثْلُ كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ.

قَوْلُهُ: (الْعَامَّةِ) كَالْمَسَاجِدِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ وَالْخَاصَّةِ، كَأَنْ وَقَفَ رِبَاطًا عَلَى طَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الْمُنْفَكَّةُ.

قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَمْلِكُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرْطَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلْجَوَازِ، فَجَعْلُهُمَا لِلْمِلْكِ خُرُوجٌ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَتَأَمَّلْ ق ل، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الشَّارِحِ صَحِيحًا أَيْضًا؛؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالشَّرْطَيْنِ أَيْضًا. وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لِلشَّارِحِ عَلَى مَا صَنَعَهُ صِحَّةُ الشَّرْطِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ شَرْطًا لِلْإِحْيَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ حُرَّةً هُوَ عَيْنُ الْمَوَاتِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ.

قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>