للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ كَانَ عَامِدًا لَمْ يَصِحَّ أَوْ غَالِطًا صَحَّ. وَضَابِطُ مَا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهِ وَمَا لَا يَضُرُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَنَّ مَا يُعْتَبَرُ التَّعَرُّضُ لَهُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا أَوْ جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهِ، وَمَا لَا يَضُرُّ مِنْ الصَّوْمِ إلَى الصَّلَاةِ وَعَكْسُهُ، وَالثَّانِي كَالْغَلَطِ فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ، وَمَا لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا لَا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهِ كَالْخَطَأِ هُنَا. وَفِي تَعْيِينِ الْمَأْمُومِ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ التَّعَرُّضُ لِلْإِمَامَةِ، أَمَّا إذَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لَهَا كَإِمَامِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَيْ الْأَعْمَالُ الْمُعْتَدُّ بِهَا شَرْعًا وَحَقِيقَتُهَا لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا قَصْدًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَالَ: نَوَيْت الْوُضُوءَ أَوْ فَرْضَ الْوُضُوءِ.

قَوْلُهُ: (كَأَنْ بَالَ وَلَمْ يَنَمْ) تَمْثِيلُهُ بِمَا يَتَأَتَّى لَيْسَ قَيْدًا حَتَّى لَوْ نَوَى مَا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ كَنِيَّةِ رَفْعِ حَدَثِ الْحَيْضِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ غَالِطًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْغَلَطَ يَسْتَدْعِي شُغْلَ الْفِكْرِ بِمَعْهُودٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْهُودٍ فِي حَقِّ الرَّجُلِ؟ . وَأُجِيبَ: بِمَا إذَا كَانَ خُنْثَى وَاتَّضَحَ بِالذُّكُورَةِ، فَأَرَادَ رَفْعَ حَدَثِ الْبَوْلِ فَسَبَقَ فَكُرِهَ لِحَدَثِ الْحَيْضِ.

قَوْلُهُ: (حَدَثَ النَّوْمِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (فَالْأَوَّلُ كَالْغَلَطِ مِنْ الصَّوْمِ إلَى الصَّلَاةِ) فَإِنَّ الصَّوْمَ يُشْتَرَطُ قَصْدُهُ فَفِيهِ التَّعَرُّضُ جُمْلَةً بِكَوْنِهِ صَوْمًا وَتَفْصِيلًا بِكَوْنِهِ عَنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً. فَإِذَا أَخْطَأَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ ضَرَّ وَمِثْلُهُ الصَّلَاةُ.

قَوْلُهُ: (وَعَكْسُهُ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ الصَّلَاةَ يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهَا جُمْلَةً مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا.

وَقَوْلُهُ: (كَالْغَلَطِ مِنْ الصَّوْمِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الْغَلَطَ لَيْسَ مِثَالًا لِلْأَوَّلِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَالصَّوْمِ إذَا غَلِطَ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ: (كَالْغَلَطِ فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ) فَإِنَّ الْقُدْوَةَ يُعْتَبَرُ التَّعَرُّضُ لَهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِلْمُقْتَدَى بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُ، لَكِنْ لَوْ عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ أَضَرَّ حَيْثُ لَا إشَارَةَ لِرَبْطِهِ صَلَاتَهُ بِغَيْرِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ أَيْضًا: (فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ أَيْ فِي تَعْيِينِ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ كَأَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَبَانَ عَمْرًا.

قَوْلُهُ: (كَالْخَطَأِ هُنَا) أَيْ فِي الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا بِكَوْنِهِ حَدَثَ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي نَوَيْت فَرْضَ الْوُضُوءِ.

قَوْلُهُ: (وَفِي تَعْيِينِ الْمَأْمُومِ) مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ أَيْضًا أَيْ تَعْيِينِ الْإِمَامِ الْمَأْمُومِينَ أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ التَّعَرُّضُ لِلْمَأْمُومِينَ لَا إجْمَالًا وَلَا تَفْصِيلًا، فَلَوْ عَيَّنَ الْمَأْمُومِينَ وَتَبَيَّنَ خِلَافُ مَا عَيَّنَهُ لَا يَضُرُّ. وَقَوْلُهُ: (حَيْثُ) هَذِهِ حَيْثِيَّةُ تَقْيِيدٍ. وَقَوْلُهُ: (كَإِمَامِ الْجُمُعَةِ) بِأَنْ قَالَ: نَوَيْت أُصَلِّي بِأَهْلِ سَعْدٍ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَرَامٍ، فَإِنَّهُ يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهِ. وَمِثْلُ الْجُمُعَةِ الْمُعَادَةُ وَالْمَجْمُوعَةُ بِالْمَطَرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ وَالْمَنْذُورُ جَمَاعَتُهَا، وَلَكِنْ تَصِحُّ فُرَادَى مَعَ الْحُرْمَةِ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا الْأَعْمَالُ) أَيْ صِحَّتُهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَيْ كَمَالُهَا فَتَصِحُّ عِنْدَهُ الْوَسَائِلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ.

وَالْجَوَابُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ تَقْدِيرَ الصِّحَّةِ أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الذَّاتِ مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ مَا انْتَفَتْ صِحَّتُهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا، فَكَأَنَّ ذَاتَهُ مَعْدُومَةٌ بِخِلَافِ مَا انْتَفَى كَمَالُهُ فَيُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا، فَكَانَتْ ذَاتُهُ مَوْجُودَةً ع ش عَلَى م ر. مَعَ زِيَادَةٍ، وَانْظُرْ لِمَ تَرَكَ الشَّارِحُ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥] مَعَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ، وَالْحَدِيثُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالتَّقْدِيرِ كَمَا عَلِمْت فَهِيَ حِينَئِذٍ أَحْرَى مَعْنًى فَتَأَمَّلْ وَلَعَلَّهُ تَرَكَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ نَصًّا فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ، وَخُرُوجُ بَعْضِ الْأَعْمَالِ عَنْ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِيهِ إمَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ أَوْ اسْتِحَالَةٍ وَنَحْوِهَا وَكَمُعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَوَقَّفَتْ عَلَى النِّيَّةِ مَعَ أَنَّ النِّيَّةَ قَصْدُ الْمَنْوِيِّ بِالْقَلْبِ وَلَا يُقْصَدُ إلَّا مَا يُعْرَفُ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ عَارِفًا بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ مَعْرِفَتِهِ لَهُ فَيَكُونُ عَارِفًا بِهِ غَيْرَ عَارِفٍ بِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا ثَوَابَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ يَتْبَعُ النِّيَّةَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَرَافِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ فِي إزَالَةِ الْخَبَثِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التُّرُوكِ كَالزِّنَا، فَتَارِكُ الزِّنَا مِنْ حَيْثُ إسْقَاطُ الْعِقَابِ لَا يَحْتَاجُهَا وَمِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُ الثَّوَابِ عَلَى التَّرْكِ يَحْتَاجُهَا، وَكَذَا إزَالَةُ الْخَبَثِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ التَّطَهُّرُ، وَيَحْتَاجُهَا مِنْ حَيْثُ الثَّوَابُ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِ الشَّارِعِ. وَآثَرَ ذِكْرَ الْأَعْمَالِ عَلَى ذِكْرِ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَمَلِ أَخَصُّ مِنْ لَفْظِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>