للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ، وَلَكِنَّ النَّظَرَ فِي الْخِطْبَةِ يَجُوزُ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ كَمَا سَيَأْتِي

فِي قَوْلِهِ. (وَ) الضَّرْبُ (الرَّابِعُ النَّظَرُ) الْمَسْنُونُ (لِأَجْلِ النِّكَاحِ) فَيَجُوزُ بَلْ يُسَنُّ إذَا قَصَدَ نِكَاحَهَا وَرَجَا رَجَاءً ظَاهِرًا أَنَّهُ يُجَابُ إلَى خِطْبَتِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَقَدْ خَطَبَ امْرَأَةً: اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ» وَمَعْنَى يُؤْدَمُ يَدُومُ قُدِّمَتْ الْوَاوُ عَلَى الدَّالِ وَقِيلَ مِنْ الْإِدَامِ مَأْخُوذٌ مِنْ إدَامِ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ يَطِيبُ بِهِ حَكَى الْأَوَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالثَّانِيَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَوَقْتُ النَّظَرِ قَبْلَ الْخِطْبَةِ وَبَعْدَ الْعَزْمِ عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْعَزْمِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَبَعْدَ الْخِطْبَةِ قَدْ يُفْضِي الْحَالُ إلَى التَّرْكِ فَيَشُقُّ عَلَيْهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ النَّظَرُ عَلَى إذْنِهَا وَلَا إذْنِ وَلِيِّهَا اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِعِ، وَلِئَلَّا تَتَزَيَّنَ فَيَفُوتُ غَرَضُهُ. وَلَهُ تَكْرِيرُ نَظَرِهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِيَتَبَيَّنَ هَيْئَتَهَا فَلَا يَنْدَمُ بَعْدَ النِّكَاحِ. وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ الْحَاجَةُ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَسَوَاءٌ أَكَانَ بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي نَظَرِهِ بِشَهْوَةٍ نَظَرٌ وَيَنْظُرُ فِي الْحُرَّةِ (إلَى) جَمِيعِ (الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) ظَهْرًا وَبَطْنًا؛ لِأَنَّهُمَا مَوَاضِعُ مَا يَظْهَرُ مِنْ الزِّينَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَالْحِكْمَةُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِعِبَارَةِ، وَضَمَّنَ الْعِبَارَةَ مَعْنَى التَّعْبِيرِ فَعَدَّاهَا بِالْبَاءِ، وَإِلَّا فَكَانَ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: وَهِيَ مَا فَوْقَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ مَا لَا يُبَاحُ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِ) آدَمِيًّا أَوْ جَمَادًا.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنَّ النَّظَرَ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ " مُطْلَقًا " فَإِنَّهُ شَامِلٌ حَتَّى لِلنَّظَرِ لِلنِّكَاحِ.

قَوْلُهُ: (الْمَسْنُونُ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَجْلِ الْإِضْرَابِ بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (وَرَجَا رَجَاءً ظَاهِرًا أَنَّهُ يُجَابُ إلَى خِطْبَتِهِ) وَإِنْ اسْتَوَتْ الْإِجَابَةُ وَعَدَمُهَا فَفِيهِ احْتِمَالَانِ، وَالْأَوْجَهُ الْجَوَازُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ سم. وَيُشْتَرَطُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنْ تَكُونَ خَلِيَّةً عَنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ.

تَنْبِيهٌ لَوْ رَأَى امْرَأَتَيْنِ مَعًا مِمَّنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُمَا فِي النِّكَاحِ لِيُعْجِبَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا يَتَزَوَّجُهَا جَازَ؛ وَلَا وَجْهَ لِمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ مِنْ الْحُرْمَةِ. وَيُؤَيِّدُ مَا نُقِلَ مَا لَوْ خَطَبَ خَمْسًا مَعًا حَيْثُ تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ حَتَّى يَخْتَارَ شَيْئًا اهـ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ خَطَبَ) أَيْ عَزَمَ وَأَرَادَ خِطْبَتَهَا. وَعِبَارَةُ حَجّ الْهَيْثَمِيِّ فِي كِتَابِهِ الْإِفْصَاحِ فِي أَحَادِيثِ النِّكَاحِ نَصُّهَا عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ» أَيْ أَرَادَ خِطْبَتَهَا، بِدَلِيلِ رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيُّ.

وَرَوَى أَبُو يَعْلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَلْيَسْأَلْ عَنْ شَعْرِهَا فَإِنَّهُ أَحَدُ الْجَمَالَيْنِ» وَأَخْرَجَ ابْنُ النَّجَّارِ وَغَيْرُهُ «عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ خَطَبْت جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي: رَأَيْتهَا؟ فَقُلْت: لَا فَقَالَ: فَانْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ تَدُومَ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ. «فَأَتَيْتهمْ فَذَكَرْت ذَلِكَ إلَى وَالِدَيْهَا فَنَظَرَ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ فَقُمْت فَخَرَجْت، فَقَالَتْ الْجَارِيَةُ: عَلَيَّ بِالرَّجُلِ فَوَقَفْت نَاحِيَةَ خِدْرِهَا فَقَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَك أَنْ تَنْظُرَ إلَيَّ فَانْظُرْ وَإِلَّا فَأَنَا أُحَرِّجُ عَلَيْك أَنْ تَنْظُرَ، فَنَظَرْت إلَيْهَا فَتَزَوَّجْتهَا فَمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً قَطُّ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْهَا وَلَا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْهَا، وَقَدْ تَزَوَّجْت سَبْعِينَ امْرَأَةً» .

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ) أَيْ النَّظَرَ أَحْرَى أَيْ أَحَقُّ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا.

قَوْلُهُ: (وَمَعْنَى يُؤْدَمَ) يَدُومَ قُدِّمَتْ الْوَاوُ عَلَى الدَّالِ وَفُتِحَتْ الدَّالُ فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْوَاوِ وَعَلَى الثَّانِي بِالْهَمْزَةِ

قَوْلُهُ وَقِيلَ مِنْ الْإِدَامِ عِبَارَةُ م ر وَقِيلَ مِنْ الْأُدْمِ لِأَنَّهُ يُطَيِّبُ الطَّعَامَ قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ النَّظَرِ إلَخْ) قَالَ م ر وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بَقَاءُ نَدْبِ النَّظَرِ وَإِنْ خَطَبَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ أَيْ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ بَعْدَ الْخِطْبَةِ أَيْضًا وَفِي حَاشِيَةِ ح ل فَهُوَ بَعْدَ الْخِطْبَةِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ بَلْ هُوَ جَائِزٌ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ وَلَا يَتَقَيَّدُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَنَّهُ إذَا اكْتَفَى بِمَرَّةٍ حَرُمَ مَا زَادَ اهـ م د وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّظَرَ بَعْدَ الْخِطْبَةِ قِيلَ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَقِيلَ مُبَاحٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ قَوْلُهُ: (اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِع) عِبَارَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>