للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَإِنَّهَا زَوْجَتُك فِي الْجَنَّةِ» .

أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: مَحِلٌّ وَصِيغَةٌ وَمُرْتَجَعٌ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَهُوَ سَبَبٌ لَا رُكْنٌ، وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِشُرُوطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَحِلٌّ بِقَوْلِهِ: (وَشُرُوطُ) صِحَّةِ (الرَّجْعَةِ أَرْبَعَةٌ) وَتَرَكَ خَامِسًا وَسَادِسًا كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ دُونَ الثَّلَاثِ) فِي الْحُرِّ وَدُونَ اثْنَيْنِ فِي الرَّقِيقِ، وَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ الطَّلَاقِ لَشَمِلَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا اسْتَوْفَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا سُلْطَةَ لَهُ عَلَيْهَا. (وَ) الثَّانِي (أَنْ يَكُونَ) الطَّلَاقُ (بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا) فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ لِبَيْنُونَتِهَا وَكَالْوَطْءِ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ الْمُحْتَرَمِ. (وَ) الثَّالِثُ (أَنْ لَا يَكُونَ الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ) مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ عَلَى عِوَضٍ فَلَا رَجْعَةَ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ فِي الْخُلْعِ. (وَ) الرَّابِعُ (أَنْ تَكُونَ) الرَّجْعَةُ (قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) فَإِذَا انْقَضَتْ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.

قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ رَاجِعْ حَفْصَةَ» إلَخْ هِيَ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَكَانَتْ قَبْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَتُوُفِّيَ عَنْهَا بِجِرَاحَاتٍ أَصَابَتْهُ بِبَدْرٍ، وَكَانَتْ وِلَادَتُهَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسِ سِنِينَ وَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَقَدْ بَلَغَتْ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَطَلَّقَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَسَبَبُ ذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي بَيْتِهَا فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي زِيَارَةِ أَبِيهَا فَأَذِنَ لَهَا فَأَرْسَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَارِيَةَ وَأَدْخَلَهَا فِي بَيْتِ حَفْصَةَ وَوَاقَعَهَا فَرَجَعَتْ حَفْصَةُ فَأَبْصَرَتْ مَارِيَةَ فِي بَيْتِهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ تَدْخُلْ حَتَّى خَرَجَتْ مَارِيَةُ ثُمَّ دَخَلَتْ وَقَالَتْ لَهُ: إنِّي رَأَيْت مَنْ كَانَ مَعَك فِي الْبَيْتِ، وَغَضِبَتْ وَبَكَتْ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ جِئْتَ إلَيَّ شَيْئًا مَا جِئْتَ بِهِ إلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَائِك فِي يَوْمِي وَفِي بَيْتِي عَلَى فِرَاشِي. فَلَمَّا رَأَى فِي وَجْهِهَا الْغَيْرَةَ قَالَ: اُسْكُتِي فَهِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ أَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَاك» وَفِي رِوَايَةٍ: «أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا عَلَى نَفْسِي وَلَا أَقْرَبَهَا أَبَدًا قَالَتْ: بَلَى. وَحَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا» .

وَفِي رِوَايَةٍ: «قَدْ حَرَّمْتهَا عَلَيَّ وَمَعَ هَذَا أُخْبِرُك أَنَّ أَبَاك الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِ أَبِي بَكْرٍ فَاكْتُمِي هَذَا عَلَيَّ فَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ لَهَا: قَدْ أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْ مَارِيَةَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَقَصَّتْ عَلَيْهَا الْقِصَّةَ وَكَانَتَا مُتَصَادِقَتَيْنِ؛ فَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ حَفْصَةَ قَدْ نَبَّأَتْ عَائِشَةَ بِمَا أَسَرَّهُ إلَيْهَا مِنْ أَمْرِ مَارِيَةَ وَأَمْرِ الْخِلَافَةِ فَطَلَّقَهَا، فَلَمَّا أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِبَعْضِ مَا أَسَرَّتْهُ لَهَا حَفْصَةُ وَهُوَ أَمْرُ مَارِيَةَ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضِهِ وَهُوَ أَمْرُ الْخِلَافَةِ خَوْفًا أَنْ يَنْتَشِرَ ذَلِكَ فِي النَّاسِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ أَنْبَأَك هَذَا؟ قَالَ: نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَحْرِيمِ مَارِيَةَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] إلَى قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] فَلَمَّا أَفْشَتْ حَفْصَةُ سِرَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَهَا فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ يَأْمُرُهُ بِمُرَاجَعَتِهَا؛ لِأَنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَأَنَّهَا إحْدَى زَوْجَاتِهِ فِي الْجَنَّةِ» اهـ مُلَخَّصًا مِنْ سِيرَةِ ح ل.

قَوْلُهُ: (مَحَلٌّ) هُوَ الزَّوْجَةُ. وَقَوْلُهُ: " وَمُرْتَجِعٌ " وَهُوَ الزَّوْجُ.

قَوْلُهُ: (وَشُرُوطُ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَشَرْطٌ فِي الْمَحَلِّ كَوْنُهُ زَوْجَةً مَوْطُوءَةً مُعَيَّنَةً قَابِلَةً لِحِلِّ مُطَلَّقَتِهِ مَجَّانًا لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ طَلَاقِهَا.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ) وَلَوْ بِتَطْلِيقِ الْقَاضِي عَلَى الْمَوْلَى، وَيَكْفِي فِي تَخْلِيصِهَا مِنْهُ أَصْلُ الطَّلَاقِ فَلَا يُقَالُ مَا فَائِدَةُ طَلَاقِ الْقَاضِي حَيْثُ جَازَتْ الرَّجْعَةُ مِنْ الْمَوْلَى ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ) أَيْ بَدَلَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ الدُّخُولِ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ، وَلَوْ لَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا كَأَنْ كَانَتْ غَوْرَاءَ إذْ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ كَمَا قَالَهُ ع ش.

قَوْلُهُ: (اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) صَادِقٌ بِالْمُقَارَنَةِ وَفِي التُّحْفَةِ مَنْعُ الرَّجْعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلْيُرَاجَعْ شَوْبَرِيُّ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، أَيْ بِأَنْ كَانَتْ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ كَانَتْ لَمْ تَشْرَعْ فِيهَا بِأَنْ طَلُقَتْ فِي الْحَيْضِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ تَشْرَعْ فِي الْعِدَّةِ إلَّا بِمَجِيءِ الطُّهْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>