للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الْبُعْدِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مُبْعِدِينَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ.

وَهُوَ حَرَامٌ لِلْإِيذَاءِ وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ: حَالِفٌ وَمَحْلُوفٌ بِهِ، وَمَحْلُوفٌ عَلَيْهِ، وَمُدَّةٌ وَصِيغَةٌ، وَزَوْجَانِ. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ بَعْضَهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا حَلَفَ) أَيْ الزَّوْجُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَوْ بِالْتِزَامِ مَا يَلْزَمُ بِنَذْرٍ أَوْ تَعْلِيقِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ (أَنْ لَا يَطَأَ زَوْجَتَهُ) الْحُرَّةَ أَوْ الْأَمَةَ وَطْئًا شَرْعِيًّا فَهُوَ مُولٍ فَلَا إيلَاءَ بِحَلِفِهِ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ تَمَتُّعِهِ بِهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ وَلَا مِنْ وَطْئِهَا فِي دُبُرِهَا أَوْ فِي قُبُلِهَا فِي نَحْوِ حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمُدَّةِ بِقَوْلِهِ: (مُطْلَقًا) بِأَنْ يُطَلِّقَ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك. (أَوْ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ أَوْ قَيَّدَ بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ فِيهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

نَحْوِيٌّ وَهُوَ إشْرَابُ كَلِمَةٍ مَعْنَى كَلِمَةٍ أُخْرَى لِتُؤَدِّي مَعْنَاهَا وَتَتَعَدَّى تَعْدِيَتَهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ، لِأَنَّهُ ضَمَّنَ مَعْنَى الْبُعْدِ فَعَلَى هَذَا يُولُونَ مَعْنَاهُ: يُبْعِدُونَ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَفْسِيرِهِ: وَفَائِدَةُ التَّضْمِينِ أَنْ تَدُلَّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَعْنَى كَلِمَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ حَرَامٌ) : أَيْ مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى مَا فِي الزَّوَاجِرِ، قَالَ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: عَدَّ فِي الزَّوَاجِرِ الْإِيلَاءَ مِنْ الْكَبَائِرِ قَالَ: وَعُدِّيَ لِهَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ غَيْرُ بَعِيدٍ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، لَكِنْ نَقَلَ عَنْ مَرَّ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ وَهُوَ الْأَقْرَبُ عش عَلَى مَرَّ.

قَوْلُهُ: (وَمُدَّةٌ) : أَيْ حَقِيقَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يُطَلِّقَ أَوْ يُؤَبِّدَ.

قَوْلُهُ: (وَزَوْجَانِ) الْأَوْلَى وَزَوْجَةٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْحَالِفُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوْ كَانَ يَحْذِفُ الْحَالِفَ فِيمَا تَقَدَّمَ لِيَنْتَفِيَ التَّكْرَارُ، وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْحَالِفَ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا لَكِنْ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ شَرْطًا فِي الْحَالِفِ لَا رُكْنًا وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

أَرْكَانُ الْإِيلَاءِ مَنْ يَحُطُّهَا لَدَيْهِ ... حَالِفٌ وَمَحْلُوفٌ وَمَحْلُوفٌ عَلَيْهِ

وَزَوْجَةٌ وَصِيغَةٌ وَمُدَّهْ ... فَافْهَمْ مَقَالِي لَا لَقِيَتْ شِدَّهْ

وَقَوْلُ النَّاظِمِ: وَمَحْلُوفٌ أَيْ بِهِ وَإِنَّمَا حَذَفَهُ لِضَرُورَةِ النَّظْمِ.

قَوْلُهُ: (ذَكَرَ بَعْضَهَا) : أَيْ الْأَرْكَانِ وَهُوَ مَا عَدَا الْمَحْلُوفَ بِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ قَوْلُهُ: (أَوْ بِالْتِزَامِ مَا يَلْزَمُ بِنَذْرٍ) . كَإِنْ وَطِئْتُك، فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ، أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ. وَلَوْ قَالَ أَوْ الْتِزَامٌ عَطْفًا عَلَى حَلِفٍ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ صَنِيعَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ الْحَلِفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي قَوْلِهِ: أَوْ تَعْلِيقُ طَلَاقٍ. اهـ. م د. وَقَدْ يُؤَوَّلُ كَلَامُهُ أَيْ أَوْ أَتَى بِالْتِزَامٍ إلَخْ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمَنْهَجِ تَقْتَضِي أَنَّهُ حَلَفَ كَعِبَارَةِ الشَّارِحِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي تَعْرِيفِ الْحَلِفِ لِقَوْلِ الْمَنْهَجِ فِي الطَّلَاقِ وَالْحَلِفِ، مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ ثُمَّ مَثَّلَ ذَلِكَ.

وَفَهِمَ الْقَلْيُوبِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَلِفِ مَا فِيهِ كَفَّارَةٌ، فَاعْتُرِضَ عَلَى الشَّارِحِ، وَقَدْ عَلِمْت رَدَّهُ بِتَعْرِيفِهِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُولٍ) . جَعَلَهُ جَوَابَ إذَا فَيَكُونُ قَوْلُ الْمَاتِنِ الْآتِي فَهُوَ مُولٍ ضَائِعًا مَعَ أَنَّهُ كَانَ جَوَابَ إذَا فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ عَدَمُ ذِكْرِهِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا إيلَاءَ) لَكِنَّهُ خَالَفَ فَيَحْنَثُ إذَا خَالَفَ يَمِينَهُ، وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِيلَاءِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ الصُّوَرِ، الَّتِي يَنْتَفِي فِيهَا الْإِيلَاءُ.

قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ امْتِنَاعًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِمُدَّةٍ وَمِثْلُ الْمُطْلَقِ الْمُؤَبَّدُ اهـ. زي.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُطْلِقَ) : فِيهِ تَفْسِيرُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ قَالَ: بِأَنْ لَا يُقَيِّدَ بِمُدَّةٍ لَكَانَ أَوْلَى، فَقَوْلُهُ: (أَوْ مُدَّةٍ تَزِيدُ إلَخْ) أَيْ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، لِيَخْرُجَ مَا إذَا زَادَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِيَمِينَيْنِ، كَالْمِثَالِ الْآتِي كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) أَيْ وَلَوْ قَدْرًا لَا يَسَعُ الرَّفْعَ لِلْحَاكِمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، ق ل.

وَفَائِدَتُهُ: حِينَئِذٍ الْإِثْمُ، لِإِيذَائِهَا وَقَطْعِ طَمَعِهَا مِنْ الْوَطْءِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ سم. وَأَمَّا الْإِيلَاءُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي وَضَرْبُ الْمُدَّةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعَةِ بِزَمَنٍ يَسَعُ ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ ح ل وَنَقَلَ عَنْ وَالِدِ شَيْخِنَا أَنَّ الْإِيلَاءَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ، مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِمُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا الْمُطَالَبَةُ وَالرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ وَالْإِيلَاءُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِثْمُ، هُوَ أَنْ تَزِيدَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ لَحْظَةً لَا تَسَعُ اهـ. وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامِ م ر وز ي قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهَذِهِ الْأَشْهُرُ هِلَالِيَّةٌ، فَلَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهُ مُولٍ فِي الْحَالِ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ هِلَالِيَّةٍ، وَلَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ الْعَدَدُ لِنَقْصِ الْأَهِلَّةِ أَوْ بَعْضِهَا، تَبَيَّنَ حِينَئِذٍ كَوْنَهُ مُولِيًا اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>