للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَوْضِعَ الرُّكُوبِ وَالْمَرْأَةُ مَرْكُوبُ الزَّوْجِ وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَالْإِيلَاءِ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمِهَا بَعْدَ الْعَوْدِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَحَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ تَشْبِيهُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ فِي الْحُرْمَةِ بِمُحَرَّمَةٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: ٣] وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢] .

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُحَرَّمَةٌ لَا تَرْكَبِينَ كَمَا لَا تَرْكَبُ الْأُمُّ شِهَابٌ. قَوْلُهُ: (مَوْضِعُ الرُّكُوبِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ كَرُكُوبِ الدَّوَابِّ لِأَنَّ مَوْضِعَ الرُّكُوبِ مِنْ الْمَرْأَةِ بَطْنُهَا، لَا ظَهْرُهَا وَقَدْ تُرْكَبُ الْمَرْأَةُ مِنْ ظَهْرِهَا، وَيَأْتِيهَا فِي الْمَحَلِّ الْمَعْهُودِ وَهُوَ الْقُبُلُ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا لِلصُّورَةِ النَّادِرَةِ، وَعِبَارَةُ م د: لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِ الْآدَمِيَّةِ. وَذِكْرُ الظَّهْرِ كِنَايَةٌ عَنْ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ عَمُودُهُ فَإِنَّ ذِكْرَهُ يُقَارِبُ ذِكْرَ الْفَرْجِ. اهـ. بَيْضَاوِيٌّ. وَتَسْمِيَةُ الظَّهْرِ عَمُودَ الْبَطْنِ لِأَنَّ بِهِ قِوَامُهَا وَعَلَيْهِ اعْتِمَادُهَا، كَمَا تَعْتَمِدُ الْخَيْمَةُ عَلَى عَمُودِهَا وَقَوْلُهُ: الَّذِي صِفَةُ الْبَطْنِ وَضَمِيرُ هُوَ لِلظَّهْرِ، وَضَمِيرُ عَمُودِهِ لِلْبَطْنِ. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ ذِكْرَهُ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلْكِنَايَةِ، وَتَوْجِيهٌ لِاخْتِيَارِهَا بِأَنَّهُمْ يَسْتَقْبِحُونَ ذِكْرَ الْفَرْجِ وَمَا يَقْرَبُ مِنْهُ فِي الْأُمِّ وَمَا يُشَبَّهُ بِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ) : بَلْ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا بَائِنًا لَا رَجْعَةَ فِيهِ أَبَدًا فَكَانَ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ، وَتَصِيرُ الْمَرْأَةُ بِهَا حَرَامًا مُؤَبَّدًا لَا تَحِلُّ لَهُ وَلَا بِعَقْدِ نِكَاحٍ لِأَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ فِي نُزُولِ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} [المجادلة: ١] تَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا لَا حِلَّ بَعْدَهُ لَا بِرَجْعَةٍ وَلَا بِعَقْدٍ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا جَاءَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَتْهُ بِأَنَّ زَوْجَهَا ظَاهِرٌ مِنْهَا فَقَالَ: " حُرِّمْت عَلَيْهِ " فَأَظْهَرَتْ ضَرُورَتَهَا بِأَنَّ مَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْلَادًا صِغَارًا إنْ ضَمَّتْهُمْ إلَى نَفْسِهَا جَاعُوا، وَإِنْ رَدَّتْهُمْ إلَى أَبِيهِمْ ضَاعُوا، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ عَمِيَ وَكَبِرَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ، وَجَاءَ زَوْجُهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ يُقَادُ فَلَمْ يُرْشِدْهُمْ إلَى مَا يَكُونُ سَبَبًا فِي عَوْدِهَا إلَى زَوْجِهَا بَلْ قَالَ لَهَا: حُرِّمْت عَلَيْهِ فَقَالَتْ مَا طَلَّقَنِي فَقَالَ: " حُرِّمْت عَلَيْهِ " فَاغْتَمَّتْ، لِصِغَرِ أَوْلَادِهَا وَشَكَتْ إلَى اللَّهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُ آيَاتٍ فَلَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَأَرْشَدَهُ إلَى الرَّجْعَةِ أَوْ بَائِنًا تَحِلُّ لَهُ بِعَقْدٍ لِأَمْرِهِ بِتَجْدِيدِ نِكَاحِهِ. فَتَوَقُّفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتِظَارُهُ لِلْوَحْيِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا لَا حِلَّ بَعْدَهُ، لَا بِرَجْعَةٍ وَلَا بِعَقْدٍ. عش عَلَى مَرَّ. وَاسْمُ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، وَيُقَالُ لَهَا: خُوَيْلَةُ بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ اسْمُهَا جَمِيلَةُ، وَزَوْجُهَا أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الْبَدْرِيُّ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ مَاتَ أَيَّامَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً. زُرْقَانِيٌّ عَلَى الْمَوَاهِبِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرَّ بِهَا فِي خِلَافَتِهِ وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَاسْتَوْقَفَتْهُ زَمَنًا طَوِيلًا وَوَعَظَتْهُ، وَقَالَتْ: يَا عُمَرُ قَدْ كُنْت تُدْعَى عُمَيْرًا ثُمَّ قِيلَ لَك عُمَرُ، ثُمَّ قِيلَ لَك أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ فَإِنَّهُ مَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ، خَافَ الْفَوْتَ، وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ خَافَ الْعَذَابَ، وَهُوَ وَاقِفٌ يَسْمَعُ كَلَامَهَا فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَقِفُ لِهَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْمَوْقِفَ؟ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ حَبَسَتْنِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ لَا زُلْت إلَّا لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَتَدْرُونَ مَنْ هَذِهِ الْعَجُوزُ؟ هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، سَمِعَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ أَيَسْمَعُ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَوْلَهَا وَلَا يَسْمَعُهُ عُمَرُ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ حَيْثُ كَانَ كَبِيرَةً وَبَيْنَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ. قُلْت: قَالَ: فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، لِأَنَّ الظِّهَارَ عُلِّقَ بِهِ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَإِنَّمَا عُلِّقَ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْيَمِينُ وَالْحِنْثُ لَيْسَا بِمُحَرَّمَيْنِ، وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ قَدْ يَجْتَمِعَانِ، وَالتَّحْرِيمُ الَّذِي هُوَ تَحْرِيمُ الْأُمِّ مَعَ الزَّوْجَةِ لَا يَجْتَمِعَانِ كَمَا فِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَحَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ) أَيْ وَأَمَّا اللُّغَوِيَّةُ فَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُهَا فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّ صُورَتَهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِمُحَرَّمَةٍ) أَيْ الَّتِي لَمْ تَكُنْ حِلًّا لَهُ قَبْلَ وِلَادَتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ) أَصْلُهُ يَتَظَهَّرُونَ.

قَوْلُهُ: (وَزُورًا) أَيْ مُنْحَرِفًا عَنْ الْحَقِّ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>