وَيَكْفِي الْبَعْضُ مَسَاكِينُ وَالْبَعْضُ فُقَرَاءُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فَإِطْعَامُ تَبِعَ فِيهِ لَفْظَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالْمُرَادُ تَمْلِيكُهُمْ كَقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أَطْعَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَدَّةَ السُّدُسَ» أَيْ مَلَّكَهَا فَلَا يَكْفِي التَّغْدِيَةُ وَلَا التَّعْشِيَةُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ أَوْ يَكْفِي الدَّفْعُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فِي الْحَدِيثِ «فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ فُقَرَاءُ بَنِي آدَمَ، وَإِنْ احْتَمَلَ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ الصَّادِقِ بِالْجِنِّ وَقَدْ يُؤَيِّدُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ أَنَّهُ جُعِلَ لِمُؤْمِنِيهِمْ طَعَامٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْعَظْمُ وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ شَيْءٌ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْآدَمِيُّونَ عَلَى أَنَّا لَا نُمَيِّزُ بَيْنَ فُقَرَائِهِمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا نَظَرَ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْخَوَاصِّ.
لِأَنَّا لَا نُعَوِّلُ عَلَى الْأُمُورِ النَّادِرَةِ وَآثَرَ التَّعْبِيرَ بِالْمِسْكِينِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يَعُمُّ الْفَقِيرَ، كَعَكْسِهِ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَلِأَنَّ شُمُولَهُ لِلْفَقِيرِ أَظْهَرُ مِنْ شُمُولِ الْفَقِيرِ لَهُ، وَخَرَجَ بِأَهْلِ الزَّكَاةِ غَيْرُهُمْ فَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا لِكَافِرٍ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ إذْ الْإِسْلَامُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي أَخْذِ غَيْرِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ تُدْفَعَ إلَى الذِّمِّيِّ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا لِهَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ وَمَوَالِيهِمْ، وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ وَلَا لِرَقِيقٍ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَاعْتُبِرَ فِيهَا صِفَاتُ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا خَبَرُ «فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك» فَمُؤَوَّلٌ أَيْ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا. فَلَمَّا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَمَلَّكَهُ إيَّاهُ، قَالَ: مَا أَحَدٌ أَفْقَرُ إلَيْهِ مِنَّا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " خُذْهُ " إلَخْ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَكُونُ عَنْ الْفَاضِلِ عَنْ الْقُوتِ وَمَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ ذَلِكَ وَتَبْقَى الْكَفَّارَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَا يَكْفِي أَقَلُّ مِنْ سِتِّينَ وَإِنْ دَفَعَ لَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ السِّتِّينَ مُدًّا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِعْطَاءُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَوْ دَفَعَ الْأَمْدَادَ لِلْإِمَامِ فَتَلِفَتْ قَبْلَ دَفْعِهَا لِلْمَسَاكِينِ لَمْ يُجْزِهِ، إذْ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ عَلَى الْكَفَّارَاتِ وَلَوْ دَفَعَ الْمُكَفِّرُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدًّا ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَدَفَعَهُ لِآخَرَ وَهَكَذَا إلَى تَمَامِ السِّتِّينَ كَفَى وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ حِكْمَةً لِكَوْنِهِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَهِيَ مَا قِيلَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى: خَلَقَ آدَمَ مِنْ سِتِّينَ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْأَحْمَرِ، وَالْأَصْفَرِ، وَالْأَسْوَدِ، وَالسَّهْلِ، وَالْوَعْرِ، وَالْحُلْوِ، وَالْعَذْبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ أَوْلَادِهِ كَذَلِكَ فَكَأَنَّ الْمُكَفِّرَ عَمَّ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ بِصَدَقَتِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ حِكْمَةُ كَوْنِ الصَّوْمِ سِتِّينَ يَوْمًا كَذَلِكَ كَمَا فِي قل.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْوَأَ) وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ التَّعْبِيرَ بِالْمِسْكِينِ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ تَمْلِيكُهُمْ) أَيْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ تَمْلِيكٍ كَمَا فِي حَلَّ وَالْبِرْمَاوِيِّ قَالَ الشَّيْخُ سل: أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ بَيْنَهُمْ لَكِنْ إنَّمَا يُجْزِيهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَدٌّ حَتَّى لَوْ مَلَّكَهُمْ الْجُمْلَةَ بِالسَّوِيَّةِ وَأَقْبَضَهُمْ ثُمَّ اقْتَسَمُوهَا بِالتَّفَاوُتِ بِحَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لِبَعْضِهِمْ مُدٌّ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مَدٌّ فَيُكْمِلُ لِغَيْرِهِمْ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَرَّ اهـ. وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ تَبِعَ فِيهِ لَفْظَ الْقُرْآنِ لِلْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِالتَّمْلِيكِ، بِأَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مَلَّكَ سِتِّينَ مِسْكِينًا إلَخْ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ فَإِنْ عَجَزَ مَلَّكَ فِي ظِهَارٍ وَجِمَاعٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَهْلَ زَكَاةٍ مُدًّا مُدًّا قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَتَعْبِيرِي بِمَلَّكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: كَفَّرَ بِإِطْعَامٍ لِإِخْرَاجِ مَا لَوْ غَدَّاهُمْ أَوْ عَشَّاهُمْ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي اهـ. وَعِبَارَةُ قل عَلَى الْجَلَالِ وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ الْأَمْدَادَ وَالْمَسَاكِينَ وَيُمَلِّكَهَا لَهُمْ، وَلَوْ بِوَضْعِهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَلَهُمْ بَعْدَ مِلْكِهَا، قِسْمَتُهَا وَلَوْ مُتَفَاضِلًا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَخْذِ زِيَادَةٍ عَنْ الْمُدِّ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَا أَخَذَهُ لَزِمَ نَقْضُ غَيْرِهِ عَنْهُ فَلَا يُجْزِئُ أَوْ شَرِيكًا بِقَدْرِ الْمُدِّ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الزَّائِدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِّهِ وَلِهَذَا قَالَ الْخَطِيبُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ حَيْثُ مُسَامَحَةُ غَيْرِهِ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حِصَّتِهِ، فَتَأَمَّلْهُ. وَمِنْهُ يُعْلَمُ جَوَازُ تَرْكِ بَعْضِهِمْ حِصَّتَهُ لِغَيْرِهِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُمْ خُذُوهُ وَلَمْ يَقْبِضُوهُ لَمْ تُجْزِ قِسْمَتُهُ مُتَفَاضِلًا لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَصَحَّ قَبْضُهُمْ بِلَا تَقْدِيرٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُعَامَلَةٍ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْزِ دَفْعُ ثَوْبٍ وَاحِدٍ لِعَشَرَةِ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ثِيَابًا وَلَا لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَوْبٌ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَكْفِي التَّغْدِيَةُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَهِيَ مَا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالتَّعْشِيَةُ مَا يُؤْكَلُ بَعْدَهُ وَأَمَّا التَّغْذِيَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ الِاثْنَيْنِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا التَّعْشِيَةُ) أَيْ وَلَا إطْعَامُ أَقَلِّ مِنْ سِتِّينَ وَلَا إطْعَامُ سِتِّينَ مُدًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute