تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ» بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ هَوَامِّهَا وَالْمُرَادُ بِكِفَايَةِ الدَّابَّةِ وُصُولُهَا لِأَوَّلِ الشِّبَعِ وَالرَّيِّ دُونَ غَايَتِهِمَا وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ. فَلَا يَلْزَمُهُ عَلَفُهَا بَلْ يُخَلِّيهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ حَبْسُهَا لِتَمُوتَ جُوعًا لِخَبَرِ: «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِمَّا ذُكِرَ وَلَهُ مَالٌ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ عَلَى أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ، بَيْعٌ لَهُ أَوْ نَحْوُهُ. مِمَّا يَزُولُ ضَرَرُهُ بِهِ. أَوْ عَلَفُ أَوْ ذَبْحٌ وَأُجْبِرَ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ بَيْعٌ أَوْ عَلَفٌ وَيَحْرُمُ ذَبْحُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِأَكْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ نَابَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَقْتَضِيهِ الْحَالُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَاعَ الْحَاكِمُ الدَّابَّةَ أَوْ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ أَكْرَاهَا عَلَيْهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ كِفَايَتُهَا.
(وَلَا يُكَلَّفُونَ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِمَالِكِ الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ أَنْ يُكَلِّفَهُمْ. (مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُونَ) الدَّوَامَ عَلَيْهِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ فِي الرَّقِيقِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَهَائِمُ بِجَامِعِ حُصُولِ الضَّرَرِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ تَكْلِيفُ رَقِيقِهِ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَهُ عَمَلًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَعْجَزُ عَنْهُ. وَقَالَ أَيْضًا: يَحْرُمُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
هَوَامِّهَا) وَهِيَ الْحَشَرَاتُ. رَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعُوذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَيَقُولُ: أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ» وَهِيَ الَّتِي إذَا نَظَرَتْ إلَى شَيْءٍ أُصِيبَ ثُمَّ يَقُولُ: «كَانَ أَبُوكُمَا إبْرَاهِيمُ يَعُوذُ بِهِمَا إسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْهَامَّةُ إحْدَى الْهَوَامِّ ذَوَاتُ السَّمُومِ كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهِمَا. وَفِي الْإِحْيَاءِ وَقُوتِ الْقُلُوبِ: يُقَالُ إنَّ الطَّيْرَ وَالْهَوَامَّ يَلْقَى بَعْضُهَا بَعْضًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَقُولُ سَلَامٌ سَلَامٌ يَوْمٌ صَالِحٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ قَرَأَهَا كُلَّ يَوْمٍ يَأْمَنُ مِنْ الْهَوَامِّ {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} [هود: ٥٦] إلَى آخِرِ الْآيَةِ اهـ مِنْ مُخْتَصَرِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلسُّيُوطِيِّ.
قَوْلُهُ: (كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ) وَهِيَ الْمَنْظُومَةُ فِي قَوْلِهِ:
خَمْسُ فَوَاسِقَ فِي حِلٍّ وَفِي حَرَمٍ ... يُقْتَلْنَ بِالشَّرْعِ عَمَّنْ جَاءَ بِالْحُكْمِ
كَلْبٌ عَقُورٌ غُرَابٌ حَيَّةٌ وَكَذَا ... حِدَأَةٌ فَأْرَةٌ خُذْ وَاضِحَ الْكَلِمِ
وَمُرَادُهُ الْغُرَابُ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْفِسْقُ أَصْلُهُ خُرُوجُ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ فَوَاسِقَ اسْتِعَارَةً وَامْتِهَانًا لَهُنَّ لِكَثْرَةِ خُبْثِهِنَّ وَأَذَاهُنَّ وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ غَيْرُ الْخَمْسِ كَالدُّبِّ وَالنِّسْرِ وَنَحْوِهِمَا.
قَوْلُهُ: (بَلْ يُخْلِيهَا) أَيْ يُخْلِي سَبِيلَهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَنَى وَعِبَارَةُ م ر. بَلْ يَجِبُ أَنْ يُخْلِيَ سَبِيلَهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لَهُ حَبْسُهَا لِتَمُوتَ جُوعًا) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقَّ الْقَتْلِ لِحِرَابَةٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا إذْ لَا تَسْقُطُ كِفَايَتُهُ أَيْ مِنْ الْمُؤْنَةِ بِذَلِكَ لِأَنَّ قَتْلَهُ بِتَجْوِيعِهِ تَعْذِيبٌ يَمْنَعُ مِنْهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا لِأَكْلِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَذْبَحُهُ لِأَخْذِ جِلْدِهِ أَوْ رِيشِهِ قَوْلُهُ: (أَوْ إكْرَاهًا) أَيْ وَيَصْرِفُ أُجْرَتَهَا فِي مُؤْنَتِهَا.
قَوْلُهُ: (فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) ثُمَّ عَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ
قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَلَّفُونَ) أَتَى بِجَمْعِ الْعُقَلَاءِ تَغْلِيبًا لَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ.
قَوْلُهُ: (لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ فِي الرَّقِيقِ) وَهُوَ " لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ " اهـ. وَالْمُرَادُ تَكْلِيفُهُ ذَلِكَ فَلَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِحَاجَةٍ أَوْ عُذْرٍ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَقِيسَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّقِيقِ قَوْلُهُ: (الدَّوَامَ عَلَيْهِ) هَذَا هُوَ الْمَنْفِيُّ وَأَمَّا الْعَمَلُ الشَّاقُّ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَجَائِزٌ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ ضَرَرًا فَاحِشًا وَلَمْ يَقْصِدْ الْمُدَاوَمَةَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَلَّفَ دَابَّتَهُ أَوْ رَقِيقَهُ عَمَلًا لَا يُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ مَعَ قَصْدِ الْمُدَاوَمَةِ حَرُمَ، وَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَيَتْبَعُ السَّيِّدُ فِي تَكْلِيفِ رَقِيقِهِ الْعَادَةَ فِي إرَاحَتِهِ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ وَفِي الْعَمَلِ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَيُرِيحُهُ مِنْ الْعَمَلِ إمَّا اللَّيْلَ إذَا اسْتَعْمَلَهُ نَهَارًا أَوْ النَّهَارَ إنْ اسْتَعْمَلَهُ لَيْلًا وَإِنْ اعْتَادُوا أَيْ السَّادَةُ الْخِدْمَةَ