للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخَبَرِ «وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ فَقَالَ أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقُ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ. وَخَرَجَ بِالْقَتْلِ الْأَطْرَافُ وَالْجُرُوحُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ.

وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ تَكْلِيفٌ بَلْ تَجِبُ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ، فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا فَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا وَلَا يَصُومُ عَنْهُمَا بِحَالٍ.

فَإِنْ صَامَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ أَجْزَأَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا أَيْضًا الْحُرِّيَّةُ بَلْ تَجِبُ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا كَمَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ لَكِنْ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْمُبَاشَرَةُ بَلْ تَجِبُ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُتَسَبِّبًا كَالْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَشَاهِدِ الزُّورِ وَحَافِرِ بِئْرٍ عُدْوَانًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَظَنَّهُ الْقَاتِلُ حَرْبِيًّا فَإِنَّهُ مُهْدَرٌ لَا ضَمَانَ فِيهِ لَكِنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ " مِنْ " عَلَى بَابِهَا وَهُوَ أَنَّ الْمَقْتُولَ مِنْ الْعَدُوَّيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ لَكِنْ أَسْلَمَ وَقَتَلَهُ شَخْصٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ وَتَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَمْ يَقُلْ: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] ، لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَهُ وَحُكْمُ الدِّيَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ مُسْلِمُونَ أَخَذُوهَا، وَإِلَّا كَانَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ قَوْلُهُ عَدُوٍّ أَيْ أَهْلِ حَرْبٍ وَقَوْلُهُ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] عَلَى قَاتِلِهِ كَفَّارَةً وَلَا دِيَةَ تُسَلَّمُ إلَى أَهْلِهِ لِحِرَابَتِهِمْ وَفِي تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] أَيْ فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْ قَوْمٍ كُفَّارٍ مُحَارَبِينَ أَيْ فِي تَضَاعِيفِهِمْ وَلَمْ يُعْلَمْ أَيْمَانُهُ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الدِّيَةِ لِأَهْلِهِ؛ إذْ لَا وِرَاثَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، لِأَنَّهُمْ مُحَارَبُونَ {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] أَيْ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ كَفَرَةٍ مُعَاهَدِينَ، أَوْ أَهْلِ ذِمَّةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ وَقَدَّمَ هُنَا الدِّيَةَ عَلَى الْكَفَّارَةِ عَكْسَ مَا قَبْلَهُ لِاعْتِنَائِهِمْ هُنَا بِالدِّيَةِ بِكُفْرِهِمْ وَفِي تَفْسِيرِ الشَّارِحِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ أَيْ وَهُوَ كَافِرٌ مِنْ قَوْمٍ أَيْ كُفَّارٍ عَدُوٍّ لَكُمْ أَيْضًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْقَوْمَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ وَفِي هَذَا كُفَّارٌ أَهْلُ ذِمَّةٍ وَالْمَقْتُولُ فِي هَذَا كَافِرٌ وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ مُؤْمِنٌ اهـ قَوْلُهُ: (قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْقَتْلَ عَمْدٌ وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: أَعْتِقُوا عَنْهُ أَنَّهُ مَاتَ، وَإِنَّمَا اعْتَقَدُوا اسْتِحْقَاقَهُ لِلنَّارِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: ٩٣] إلَخْ. وَيُرَدُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَمْدَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ وُرُودِهِ) أَيْ وُرُودِ التَّكْفِيرِ.

قَوْلُهُ: (لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ تَكْلِيفٌ) وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ: تَجِبُ عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ بَقَتْلِ مَعْصُومٍ عَلَيْهِ،. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (لَكِنْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ) أَيْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، أَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ أَمَّا قَبْلَهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَتْلِ صَامَ بِلَا إذْنٍ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (كَالْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ.

فَرْعٌ: مَنْ قَتَلَ رَجُلًا بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَظَنَّهُ بِحَقٍّ فَبَانَ ظُلْمًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَلْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَعَلَى الْآمِرِ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ. وَإِنْ عَلِمَ ظُلْمَهُ وَلَمْ يَخَفْ سَطْوَتَهُ فَذَلِكَ عَلَى الْمَأْمُورِ فَقَطْ وَيَأْثَمُ الْآمِرُ، وَإِنْ خَافَهَا فَعَلَيْهِمَا كَالْإِكْرَاهِ،. اهـ. عب قَالَ: وَهَلْ كَتْبُهُ إلَى مَنْ يَقْتُلُهُ كَأَمْرِهِ لَفْظًا؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ،. اهـ. وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ مِثْلُهُ نَظَرًا لِلْعُرْفِ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَحَافِرِ بِئْرٍ عُدْوَانًا) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ مِنْ قَبِيلِ السَّبَبِ مَعَ أَنَّهُ شَرْطٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ السَّبَبَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ مَا كَانَ وَصْلَةً لِلشَّيْءِ فَيَشْمَلُ السَّبَبَ وَالشَّرْطَ لَا الِاصْطِلَاحِيَّ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالسَّبَبِ مَا يَشْمَلُ الشَّرْطَ م ر. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْقَتْلِ ثَلَاثَةٌ: مُبَاشَرَةٌ وَسَبَبٌ وَشَرْطٌ؛ فَالْمُبَاشَرَةُ هِيَ الَّتِي تُؤَثِّرُ وَتُحَصِّلُ، وَالسَّبَبُ هُوَ الَّذِي يُؤَثِّرُ وَلَا يُحَصِّلُ كَالسُّمِّ وَالْإِكْرَاهِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ وَلَا يُحَصِّلُ، وَالشَّرْطُ مَا لَا يُؤَثِّرُ وَلَا يُحَصِّلُ كَحَفْرِ الْبِئْرِ.

وَالسَّبَبُ إمَّا حِسِّيٌّ، وَإِمَّا عَادِيٌّ، وَإِمَّا شَرْعِيٌّ؛ فَالْأَوَّلُ كَالْإِكْرَاهِ، وَالثَّانِي كَتَقْدِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>