وَلَا يَصْدِمُهُمْ جِدَارٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِهِ» .
أَمَّا إذَا خَلَتْ الطَّرِيقُ عَنْ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ. قَالَ فِي الْحَاوِي وَلَا يَمْشُونَ إلَّا أَفْرَادًا مُتَفَرِّقِينَ وَلَا يُوَقَّرُونَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ مُسْلِمٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذَلَّهُمْ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَحْرِيمُ ذَلِكَ.
خَاتِمَةٌ تَحْرُمُ مَوَدَّةُ الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢]
ــ
[حاشية البجيرمي]
تَرَدُّدَ النَّاسِ عَلَيْهِ كَنُظَّارِ الْأَوْقَافِ الْكَبِيرَةِ وَكَمَشَايِخِ الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا وَأَنَّ مَحَلَّ الِامْتِنَاعِ مَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى اسْتِخْدَامِهِ بِأَنْ لَا يَقُومَ غَيْرُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَقَامَهُ فِي حِفْظِ الْمَالِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (إلَى أَضْيَقِ) أَيْ أَعْسَرِ أَيْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَعْسُرُ الْمَشْيُ فِيهِ أَيْ فَيَحْرُمُ إيثَارُهُمْ لِمَنْ قَصَدَ تَعْظِيمَهُمْ وَلَا يَمْشُونَ إلَّا أَفْرَادًا مُتَفَرِّقِينَ أَيْ يُمْنَعُونَ وُجُوبًا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَيُلْجَأُ وُجُوبًا عِنْدَ ازْدِحَامِ الْمُسْلِمِينَ بِطَرِيقٍ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ. ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى تَعْبِيرِهِمْ بِالْوُجُوبِ أَخْذًا مِنْ الْخَبَرِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي الطَّرِيقِ إيثَارُهُ بِوَاسِعِهِ لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ قَصَدَ بِذَلِكَ تَعْظِيمَهُ أَوْ عَدَّهُ الْعُرْفُ تَعْظِيمًا لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِرِضَا الْمُسْلِمِ كَالتَّعْلِيَةِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ لِدَوَامِ ضَرَرِ ذَلِكَ دُونَ هَذَا فَلَا ضَرَرَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ فَهُوَ يَنْقَضِي عَجِلًا اهـ. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ) تَقْيِيدٌ.
قَوْلُهُ: (لَا يَقَعُونَ) أَيْ الْكُفَّارُ.
قَوْلُهُ: (لَا تَبْدَءُوا) وَكَذَا رَدُّ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِمْ فَقَطَعَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ هُوَ بِحَرَامٍ بَلْ مَكْرُوهٌ. فَإِنْ سَلَّمُوا عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ فِي الرَّدِّ وَعَلَيْكُمْ وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ ظَنَّهُ مُسْلِمًا فَبَانَ كَافِرًا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَرِدَّ سَلَامَهُ فَيَقُولَ لَهُ: رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُوحِشَهُ وَيُظْهِرَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أُلْفَةٌ وَلَوْ أَرَادَ تَحِيَّةَ ذِمِّيٍّ فَعَلَهَا بِغَيْرِ السَّلَامِ بِأَنْ يَقُولَ: هَدَاك اللَّهُ أَوْ أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَك وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهِ فَيَقُولُ: صُبِّحْت بِالْخَيْرِ أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ بِالْعَافِيَةِ أَوْ صَبَّحَك اللَّهُ بِالسُّرُورِ أَوْ بِالسَّعَادَةِ وَالنِّعْمَةِ أَوْ بِالْمَسَرَّةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يَقُولَ شَيْئًا فَإِنَّ ذَلِكَ تَبَسُّطٌ لَهُ وَإِينَاسٌ وَإِظْهَارُ صُورَةِ وُدٍّ، وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ وَمَنْهِيُّونَ عَنْ وُدِّهِمْ فَلَا نُظْهِرُهُ وَإِذَا مَرَّ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهَا مُسْلِمُونَ أَوْ مُسْلِمٌ وَكُفَّارٌ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَيَقْصِدَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْمُسْلِمَ وَإِذَا كَتَبَ كِتَابًا إلَى مُشْرِكٍ وَكَتَبَ فِيهِ سَلَامًا أَوْ نَحْوَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ مَا رُوِيَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ؛ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى» . وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي عِيَادَةِ الذِّمِّيِّ فَاسْتَحَبَّهَا جَمَاعَةٌ وَمَنَعَهَا جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَ الشَّاشِيُّ الِاخْتِلَافَ ثُمَّ قَالَ: الصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: عِيَادَةُ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْقُرْبَةِ فِيهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى نَوْعِ حُرْمَةٍ يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ جَوَازٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّاشِيُّ حَسَنٌ.
وَيَنْبَغِي لِعَائِدِ الذِّمِّيِّ أَنْ يُرَغِّبَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَيُبَيِّنَ لَهُ مَحَاسِنَهُ وَيَحُثَّهُ عَلَيْهِ وَيُحَرِّضَهُ عَلَى مُعَاجَلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالٍ لَا تَنْفَعُهُ فِيهَا تَوْبَتُهُ وَإِنْ دَعَا لَهُ دَعَا لَهُ بِالْهِدَايَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الْمُبْتَدِعُ وَمَنْ اقْتَرَفَ ذَنْبًا عَظِيمًا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَرُدَّ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ. وَكَذَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ. فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى السَّلَامِ عَلَى الظَّلَمَةِ بِأَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَخَافَ تَرَتُّبَ مَفْسَدَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ غَيْرِهِمَا إنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسَلِّمُ وَيَنْوِي أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْمَعْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ رَقِيبٌ اهـ وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (فَاضْطَرُّوهُمْ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَاضْطَرُّوهُ بِالْإِفْرَادِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلتَّعْبِيرِ بِأَحَدِهِمْ مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (تَحْرُمُ مَوَدَّةُ الْكَافِرِ) أَيْ الْمَحَبَّةُ وَالْمَيْلُ بِالْقَلْبِ وَأَمَّا الْمُخَالَطَةُ الظَّاهِرِيَّةُ فَمَكْرُوهَةٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَتَحْرُمُ مُوَادَّتُهُمْ