للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ «أَيُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] وَكُلُّ حَيَوَانٍ لَا نَصَّ فِيهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ لَا خَاصٍّ وَلَا عَامٍّ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ وَلَا وَرَدَ فِيهِ أَمْرٌ بِقَتْلِهِ وَلَا بِعَدَمِهِ اسْتَطَابَتْهُ الْعَرَبُ وَهُمْ أَهْلُ يَسَارٍ أَيْ ثَرْوَةٍ وَخِصْبٍ وَأَهْلُ طِبَاعٍ سَلِيمَةٍ سَوَاءٌ كَانُوا سُكَّانَ بِلَادٍ أَوْ قُرًى فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ

فَهُوَ حَلَالٌ إلَّا مَا أَيْ حَيَوَانٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ لِاسْتِطَابَتِهِمْ وَكُلُّ حَيَوَانٍ اسْتَخْبَثَتْهُ الْعَرَبُ أَيْ عَدُّوهُ خَبِيثًا فَهُوَ حَرَامٌ إلَّا مَا أَيْ حَيَوَانٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يَكُونُ حَرَامًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنَاطَ الْحِلَّ بِالطَّيِّبِ وَالتَّحْرِيمِ بِالْخَبِيثِ وَعُلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَا يَسْتَطِيبُهُ وَيَسْتَخْبِثُهُ كُلُّ الْعَالَمِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ عَادَةً لِاخْتِلَافِ طَبَائِعِهِمْ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَعْضَهُمْ وَالْعَرَبُ بِذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَوْلَى الْأُمَمِ إذْ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ أَوَّلًا وَلِأَنَّ الدِّينَ عَرَبِيٌّ وَخَرَجَ بِأَهْلِ يَسَارٍ الْمُحْتَاجُونَ وَبِسَلِيمَةٍ أَجْلَافُ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِمْ وَبِحَالِ الرَّفَاهِيَةِ حَالُ الضَّرُورَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَى الْحَيَوَانِ وَسَمَّى مَا فِي الْفَصْلِ كُلَّهُ أَطْعِمَةً مَعَ أَنَّ بَعْضَهُ أَطْعِمَةٌ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمَةِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَشُرْبُهُ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا يَحِلُّ شُرْبُهُ وَمَا يَحْرُمُ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ.

قَوْلُهُ: (لَا نَصَّ فِيهِ) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ يُضَيِّعُ الِاسْتِثْنَاءَ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا حَيْثُ اسْتَثْنَى مَا فِيهِ نَصٌّ مِمَّا لَا نَصَّ فِيهِ. قَوْلُهُ: (اسْتَطَابَتْهُ) أَيْ عَدُّوهُ طَيِّبًا أَيْ أَلِفَتْهُ نُفُوسُهُمْ وَرَغِبَتْ فِيهِ وَأَحَبَّتْهُ.

قَوْلُهُ: (ثَرْوَةٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ كَثْرَةِ مَالٍ وَغِنًى وَقَوْلُهُ: وَخِصْبٍ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِوَزْنِ حِمْلٍ أَيْ نَمَاءٍ وَبَرَكَةٍ وَهُوَ ضِدُّ الْجَدْبِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ. قَوْلُهُ: (إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ) هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَا يَظْهَرُ بَعْدَ تَقْيِيدِ الْحَيَوَانِ بِقَوْلِهِ: لَا نَصَّ فِيهِ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ بِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الْمَتْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْقَيْدِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ حَيَوَانٌ) الصَّوَابُ حَيَوَانًا لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَا وَهِيَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجَبٍ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُؤَلِّفِ، بِأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: أَيْ حَيَوَانٌ مَنْصُوبًا جَاءَ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ لِأَنَّهُمْ يَرْسُمُونَ الْمَنْصُوبَ بِصُورَةِ الْمَرْفُوعِ أَوْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ حَلَالٌ مُتَضَمِّنٌ لِلنَّفْيِ أَيْ لَا يَحْرُمُ فَلَا اعْتِرَاضَ أَوْ أَنَّهُ مَاشٍ عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَهِيَ رَفْعُ الْمُسْتَثْنَى إذَا كَانَ مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجَبٍ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ} [البقرة: ٢٤٩] عَلَى قِرَاءَتِهِ مَرْفُوعًا.

قَوْلُهُ: (وَكُلُّ حَيَوَانٍ) أَيْ لَا نَصَّ فِيهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (أَنَاطَ الْحِلَّ) أَيْ عَلَّقَ الْحِلَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ أَيْ فِي قَوْلِهِ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] . قَوْلُهُ: (وَعُلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلَّهِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يُرِدْ أَيْ بِالطَّيِّبَاتِ وَالْخَبَائِثِ فِي قَوْلِهِ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: ١٥٧] أَيْ الطَّيِّبَاتِ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ وَهُمْ الْعَرَبُ لَا كُلِّ النَّاسِ لِاسْتِحَالَةِ اتِّفَاقِ طَبَائِعِ النَّاسِ عَلَى اسْتِطَابَةِ حَيَوَانٍ أَوْ اسْتِخْبَاثِهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلْمُصَنِّفِ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُسْتَفَادٌ مِنْ صَرِيحِ الْمَتْنِ لَا مِنْ الْعَقْلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الْعَرَبَ.

قَوْلُهُ: (لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ) فِيهِ أَنَّ هَذَا الْمُرَادَ لَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يَتَعَرَّضَ لِنَفْيِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِالْعَرَبِ لَا بِالنَّاسِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ فَلَعَلَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ سَرَتْ لَهُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَهَذَا عَلَى كَوْنِ الضَّمِيرِ فِي أَنَّهُ رَاجِعًا لِلْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ رَاجِعًا لِلَّهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَلَا إشْكَالَ وَيَكُونُ مُرَادُهُ تَتْمِيمَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَعْنِي: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] ، أَيْ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ بِالطَّيِّبَاتِ وَالْخَبَائِثِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَسْتَطِيبُهُ وَيَسْتَحِلُّهُ كُلُّ الْعَالَمِ بَلْ بَعْضُ الْعَالَمِ وَهُمْ الْعَرَبُ.

قَوْلُهُ: (لِاخْتِلَافِ طَبَائِعِهِمْ) عِلَّةٌ لِلِاسْتِحَالَةِ. قَوْلُهُ: (بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِطَابَةِ وَالِاسْتِخْبَاثِ.

قَوْلُهُ: (مَا دَبَّ) أَيْ عَاشَ وَقَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>