حَلَفَ لَيُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ وَأَعْظَمَهُ أَوْ أَجَلَّهُ. فَلْيَقُلْ: " لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك " أَوْ لَيَحْمَدَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ أَوْ بِأَجَلِّ التَّحَامِيدِ فَلْيَقُلْ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ " وَهُنَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ وَفِيمَا ذَكَرْته كِفَايَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي صِفَةِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَاخْتَصَّتْ مِنْ بَيْنِ الْكَفَّارَاتِ بِكَوْنِهَا مُخَيَّرَةً فِي الِابْتِدَاءِ مُرَتَّبَةً فِي الِانْتِهَاءِ وَالصَّحِيحُ فِي سَبَبِ وُجُوبِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْحِنْثُ وَالْيَمِينُ مَعًا فَقَالَ: (وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ هُوَ) أَيْ الْمُكَفِّرُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ وَلَوْ كَافِرًا (مُخَيَّرٌ فِيهَا) ابْتِدَاءً (بَيْنَ)
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْغَدَاءِ إلَخْ) أَيْ فِيمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَتَغَدَّى بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا شَبِعَ قَبْلَ الزَّوَالِ.
قَوْلُهُ: (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك) أَيْ لَا أَقْدِرُ عَلَى إحْصَائِهِ. وَقَوْلُهُ أَنْتَ تَوْكِيدٌ لِلْكَافِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَمُضْمَرُ الرَّفْعِ الَّذِي قَدْ انْفَصَلْ ... أَكِّدْ بِهِ كُلَّ ضَمِيرٍ اتَّصَلْ
فَقَوْلُهُ: كَمَا أَثْنَيْت الْكَافَ بِمَعْنَى مِثْلُ وَهِيَ صِفَةٌ لِثَنَاءٍ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ مُؤَوَّلَةٌ مَعَ مَدْخُولِهَا بِمَصْدَرٍ أَيْ مِثْلُ ثَنَائِك عَلَى نَفْسِك وَإِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إحْصَائِهِ فَلَا يُطِيقُهُ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ: لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَيْ لَا أُطِيقُ ثَنَاءً وَلَا أَضْبِطُ ثَنَاءً عَلَيْك بِمَعْنَى لَا أَقْدِرُ عَلَى ثَنَاءٍ عَلَيْك وَالتَّنْوِينُ فِي ثَنَاءً لِلتَّنْوِيعِ أَيْ نَوْعًا مَخْصُوصًا مِنْ الثَّنَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِك وَمَا فِي كَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ لِثَنَائِك عَلَى نَفْسِك أَوْ مَوْصُولَةٌ أَيْ ثَنَاءً بِمَعْنَى الْمَثْنِيِّ بِهِ أَيْ كَاَلَّذِي أَثْنَيْت بِهِ عَلَى نَفْسِك فِي كَوْنِهِ قَطْعِيًّا تَفْصِيلِيًّا غَيْرَ مُتَنَاهٍ أَوْ مَوْصُوفَةٌ أَيْ مِثْلُ ثَنَاءٍ أَثْنَيْت بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلْيَقُلْ) : رُوِيَ " أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَهُ لِآدَمَ وَقَالَ عَلَّمْتُك مَجَامِعَ الْحَمْدِ " قَوْلُهُ: (حَمْدًا) : مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ حَمِدْتُ حَمْدًا وَلَيْسَ مَعْمُولًا لِلْحَمْدِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُخْبَرُ عَنْهُ قَبْلَ مَعْمُولِهِ. وَقَوْلُهُ: يُوَافِي نِعَمَهُ أَيْ يُقَابِلُهَا بِحَيْثُ يَكُونُ بِقَدْرِهَا فَلَا تَقَعُ نِعْمَةٌ إلَّا مُقَابِلَةً لِهَذَا الْحَمْدِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَمْدُ بِإِزَاءِ جَمِيعِ النِّعَمِ. وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ. بِحَسَبِ مَا تَرَجَّاهُ وَإِلَّا فَكُلُّ نِعْمَةٍ تَحْتَاجُ إلَى حَمْدٍ مُسْتَقِلٍّ أَوْ يَجْعَلُ التَّنْوِينَ فِي حَمْدًا لِلتَّكْثِيرِ وَقَوْلُهُ: وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ أَيْ يُسَاوِي النِّعَمَ الزَّائِدَةَ مِنْ اللَّهِ. وَالْمَزِيدُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِنْ زَادَهُ اللَّهُ النِّعَمَ وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ أَيْ مَزِيدُ اللَّهِ لِلنِّعَمِ؛ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَرَجَّى أَنْ يَكُونَ الْحَمْدُ الَّذِي أَتَى بِهِ مُوفِيًا بِحَقِّ النِّعَمِ الْحَاصِلَةِ بِالْفِعْلِ وَمُسَاوِيًا لِمَا يَزِيدُ مِنْهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ الْمُكَافَأَةَ الْمُسَاوَاةُ اهـ وَلَوْ حَلَفَ لِيُصَلِّيَن عَلَيْهِ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ بَرَّ بِالصِّيغَةِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ الْإِبْرَاهِيمِيَّة. وَاسْتُشْكِلَ بِعَدَمِ اشْتِمَالِهَا عَلَى السَّلَامِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ الصَّلَاةَ م د.
فَرْعٌ: مَنْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَكَانَ مُنْفَرِدًا وَحَلَفَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي فَضَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ وَصَلَّى وَحْدَهُ صَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ صُفُوفًا» فَإِذَا حَلَفَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْنَثُ.
فَرْعٌ: حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَا يَحْنَثُ بِالْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَعْهُودَةٍ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ شَرْحِ التَّنْبِيهِ.
فَرْعٌ: وَلَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ مَثَلًا كَأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ فَسَأَلَ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ لَهُ: إذَا طَلَعْت مِنْ الْحَائِطِ لَا تَحْنَثُ، لِجَهْلِ الْمَسْئُولِ فَتَسَوَّرَ مِنْ الْحَائِطِ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا فَعَلَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى قَوْلِ الْمُخْبِرِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ وَفِي الْمَنْهَجِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ حَنِثَ بِدُخُولِهِ، دَاخِلَ بَابِهَا حَتَّى دِهْلِيزِهَا. وَلَوْ بِرِجْلِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا فَقَطْ لَا بِصُعُودِ سَطْحٍ مِنْ خَارِجِ الدَّارِ وَلَوْ مَحُوطًا لَمْ يُسَقَّفْ اهـ وَصُورَةُ السَّطْحِ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَرَجٌ يَصْعَدُ عَلَيْهَا لَهُ خَارِجَ الدَّارِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ) مِنْ الْكَفْرِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَهُوَ السَّتْرُ وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى سَتْرِ جِسْمٍ بِجِسْمٍ آخَرَ فَمَا هُنَا مَجَازٌ أَوْ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَتَقَدَّمَ: أَنَّهَا جَابِرَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَزَاجِرَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلْأَغْلَبِ. إذْ لَا إثْمَ فِي نَحْوِ الْمُبَاحِ الْمَنْدُوبِ، ثُمَّ إنْ كَانَ عَقْدَ الْيَمِينِ طَاعَةٌ فَحَلَّهَا مَعْصِيَةٌ كَأَنْ لَا يَزْنِيَ ثُمَّ زَنَى.
قَوْلُهُ: