للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ. وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ خَبَرِ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَغَيْرُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ وَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِهَا بِذَلِكَ. كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ: إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الْيَمِينَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ آخِرًا. فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ لَزِمْته الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ.

تَنْبِيهٌ: أَوْرَدَ فِي التَّوْشِيحِ إعْتَاقَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّ نَذْرَهُ مُنْعَقِدٌ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ فِي الْحَالِ أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ. وَذَكَرُوا فِي الرَّهْنِ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى عِتْقِ الْمَرْهُونِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ تَمَّ الْكَلَامَانِ كَانَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ مُنْعَقِدًا، وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، صَحَّ النَّذْرُ وَيُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِ الْجُرْجَانِيِّ فِي إيضَاحِهِ. وَلَكِنْ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. وَرَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ وَيَتَأَيَّدُ بِالنَّذْرِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ.

(وَلَا يَلْزَمُ النَّذْرُ) بِمَعْنًى لَا يَنْعَقِدُ. (عَلَى تَرْكِ) فِعْلٍ (مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ كَقَوْلِهِ: لَا آكُلُ لَحْمًا وَلَا أَشْرَبُ لَبَنًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ إذْ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْهُ. فَقَالُوا: هَذَا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ. وَلَا يَتَكَلَّمَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» . وَفَسَّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْمُبَاحَ بِمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ وَلَا تَرْهِيبٌ وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ شَرْعًا كَنَوْمٍ وَأَكْلٍ وَسَوَاءٌ أَقَصَدَ بِالنَّوْمِ النَّشَاطَ عَلَى التَّهَجُّدِ وَبِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ أَمْ لَا. وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَالثَّوَابُ عَلَى الْقَصْدِ لَا الْفِعْلِ.

تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرَ هُنَا بِنَفْيِ الِانْعِقَادِ الْمَعْلُومِ مِنْهُ. بِالْأَوْلَى مَا ذُكِرَ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّ النَّذْرَ بِتَرْكِ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ لَا يَنْعَقِدُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الزَّوَائِدِ وَالْمَجْمُوعِ وَلَا يَلْزَمُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِالنَّذْرِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلِهِمْ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَعِبَارَةُ م ر وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ إعْتَاقِ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ لِأَنَّهُ جَائِزٌ اهـ. وَعَلَيْهِ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَالِ) بِأَنْ كَانَ مُوسِرًا عِنْدَ النَّذْرِ وَقَوْلُهُ: أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ أَيْ إنْ كَانَ مُعْسِرًا عِنْدَ النَّذْرِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَلْغُو النَّذْرُ حِينَئِذٍ وَأَمَّا الْمُوسِرُ فَإِعْتَاقُهُ جَائِزٌ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فَلَا إيرَادَ.

قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ) أَيْ فِي الْمُعْسِرِ أَمَّا الْمُوسِرُ فَيَجُوزُ لَهُ الْعِتْقُ وَيَكُونُ قِيمَةُ الْعَبْدِ رَهْنًا مَكَانَهُ فَلَمْ يَتِمَّ الْكَلَامَانِ لِعَدَمِ تَوَارُدِهِمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ انْعِقَادَ النَّذْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُوسِرِ وَعَدَمُ جَوَازِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعْسِرِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَمَّ) : أَيْ سَلِمَ الْكَلَامَانِ أَيْ قَوْلُهُ: إنَّ نَذْرَهُ مُنْعَقِدٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَذَكَرُوا إلَخْ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمَا لَمْ يَتِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ إعْتَاقَ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ جَائِزٌ وَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فَقَوْلُهُ: وَذَكَرُوا فِي الرَّهْنِ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى عِتْقِ الْمَرْهُونِ لَا يَجُوزُ غَيْرُ تَامٍّ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ فِي الْمَعْصِيَةِ مُنْعَقِدًا. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (مُنْعَقِدًا) بِالنَّصْبِ فِي صِحَاحِ النُّسَخِ وَلَا وَجْهَ لِلرَّفْعِ الْمَوْجُودِ فِي نُسَخٍ إلَّا عَلَى جَعْلِهِ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ) أَيْ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ اسْتِثْنَائِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ.

قَوْلُهُ: (وَيَتَأَيَّدُ) أَيْ وَيَتَقَوَّى.

قَوْلُهُ: (أَبُو إسْرَائِيلَ) وَاسْمُهُ قَيْصَرُ الْعَامِرِيُّ قَالَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْعَظِيمِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ: اسْمُهُ قُشَيْرٌ وَقِيلَ بَشِيرٌ:. اهـ. دَمِيرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ أَقَصَدَ بِالنَّوْمِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَا وَصْفُهُ الْإِبَاحَةُ لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ نَذْرِهِ عُرُوضُ الطَّلَبِ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَزَادَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ: لَمْ يَرِدْ فِيهِ إلَخْ يُغْنِي عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَشْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ) هُوَ قَصْدُ الْعِبَادَةِ بِالْمُبَاحِ نَحْوُ النَّشَاطِ عَلَى التَّهَجُّدِ بِالنَّوْمِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ) أَيْ النَّذْرُ.

قَوْلُهُ: (كَمَا اخْتَارَهُ) رَاجِعٌ لِلْمَنْفِيِّ.

قَوْلُهُ: (بِنَفْيِ الِانْعِقَادِ) لِاقْتِضَاءِ نَفْيِ اللُّزُومِ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَوْلُهُ: (الْمَعْلُومُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى مَا ذُكِرَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ نَفْيِ اللُّزُومِ وَفِي نُسَخٍ مَا ذَكَرَهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِالنَّذْرِ) أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَا وَضْعُهُ الْإِبَاحَةُ لَا يَنْعَقِدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>