. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية البجيرمي]
مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِأَجْلِ نَشْرِهِ لِلْعُلَمَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّعْلِيقِ الرَّبْطُ، وَبِالْحُكْمِ ثُبُوتُ الْحَمْدِ لِلَّهِ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ حَمْدًا فِي مُقَابَلَةِ الذَّاتِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: الَّذِي نَشَرَ إلَخْ بَيَانًا لِصِفَةِ اللَّهِ فِي الْوَاقِعِ فَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ: مَا صِفَةُ اللَّهِ الَّذِي أَوْقَعْت الْحَمْدَ لَهُ؟ فَقَالَ: الَّذِي نَشَرَ إلَخْ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَمْدَانِ: حَمْدٌ فِي مُقَابَلَةِ الذَّاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحَمْدٌ فِي مُقَابَلَةِ الصِّفَاتِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي نَشَرَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَوْصُولَ وَصِلَتَهُ فِي تَأْوِيلِ الْمُشْتَقِّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ النَّاشِرِ، وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ يُشْعِرُ بِعِلِّيَّةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَإِنَّمَا أَوْقَعْت الْحَمْدَ لِلذَّاتِ الْعَلِيَّةِ لِأَجْلِ نَشْرِهَا لِلْعُلَمَاءِ، إلَخْ. وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ حَمْدًا ثَانِيًا لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِوُقُوعِ حَمْدٍ مِنْهُ وَالْإِخْبَارُ بِالْحَمْدِ حَمْدٌ، وَقَوْلُهُ: (نَشَرَ) أَيْ أَظْهَرَ لِلْعُلَمَاءِ فَضَائِلَ كَالْمُشَاهَدَةِ بِالْأَبْصَارِ، فَشَبَّهَ الْفَضَائِلَ بِالْأَعْلَامِ، أَيْ الرَّايَاتِ أَطْلَقَ اسْمَهَا عَلَيْهَا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْجَامِعُ الظُّهُورُ وَالِاهْتِدَاءُ وَالْقَرِينَةُ حَالِيَّةٌ، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَا أَعْلَامَ لَهُمْ، وَيَكُونُ النَّشْرُ تَرْشِيحًا لِأَنَّ النَّشْرَ ضِدُّ الطَّيِّ، أَوْ شَبَّهَ الْإِظْهَارَ بِالنَّشْرِ وَاسْتَعَارَ النَّشْرَ لِلْإِظْهَارِ، وَاشْتَقَّ مِنْ النَّشْرِ نَشَرَ بِمَعْنَى أَظْهَرَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ التَّبَعِيَّةِ وَالْجَامِعُ الِاهْتِدَاءُ إلَى الْمَقْصُودِ فِي كُلٍّ وَالْأَعْلَامُ تَرْشِيحٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَعْلَامَ بِمَعْنَى الرَّايَاتِ حَقِيقَةً وَنَشَرَ بِمَعْنَى يَنْشُرُ لِمَا وَرَدَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْقِدُ لِلْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَايَاتٍ لِمَعْرِفَتِهِمْ وَيَقُولُ لِلْعَالِمِ: قِفْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» . وَالْعُلَمَاءُ: جَمْعُ عَلِيمٍ كَكَرِيمٍ وَكُرَمَاءَ وَهُوَ جَمْعٌ قِيَاسِيٌّ أَوْ جَمْعُ عَالِمٍ وَهُوَ قِيَاسِيٌّ أَيْضًا، لِأَنَّ فُعَلَاءَ يَطَّرِدُ جَمْعًا لِفَاعِلٍ إذَا دَلَّ عَلَى مَدْحٍ نَحْوُ صَالِحٍ، أَوْ ذَمٍّ نَحْوُ فَاسِقٍ كَمَا أَفَادَ الْأُشْمُونِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ:
وَلِكَرِيمٍ وَبَخِيلٍ فُعَلَا ... كَذَا لِمَا ضَاهَاهُمَا قَدْ جُعِلَا
فَسَقَطَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ جَمْعَ عَالِمٍ عَلَى عُلَمَاءَ غَيْرُ مَقِيسٍ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ الْمَعْهُودُونَ وَهُمْ الْعَامِلُونَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَثَبَتَ لَهُمْ إلَخْ. عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّرَاطِ الْجِسْرُ الْمَمْدُودُ أَوْ الدِّينُ الْحَقُّ، وَالْمُرَادُ ثَبَّتَ أَقْدَامَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِمْ عَلَى إقَامَتِهِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ الْعَامِلُونَ، لِأَنَّ إقَامَةَ الدِّينِ تَحْصُلُ بِغَيْرِ الْعَامِلِينَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ عَالِمٍ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مَدْحَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَوْلُهُ: (أَعْلَامًا) جَمْعُ عَلَمٍ مُحَرَّكًا كَبَطَلٍ وَأَبْطَالٍ وَفَرَسٍ وَأَفْرَاسٍ وَهُوَ جَمْعٌ قِيَاسِيٌّ وَاسْتُعْمِلَ جَمْعُ الْقِلَّةِ فِي أَعْلَامًا مَكَانَ جَمْعِ الْكَثْرَةِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ وَإِنَّمَا ارْتَكَبَهُ لِعَدَمِ سَمَاعِ جَمْعِ الْكَثْرَةِ فِيهِ وَهُوَ عِلَامٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْأَلْفِيَّةِ وَفَعْلٌ أَيْضًا لَهُ فِعَالُ وَلِأَجْلِ السَّجْعِ وَالْعَلَمُ الرَّايَةُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْجَبَلِ، وَلَمَّا كَانَ الْعَالِمُ يُهْتَدَى بِعِلْمِهِ جُعِلَ عِلْمُهُ كَالرَّايَةِ أَوْ كَالنَّارِ عَلَى الْجَبَلِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِمَّا يُهْتَدَى بِهِ إلَى الْمَقْصُودِ، كَذَا ذَكَرَهُ الَأُجْهُورِيُّ، وَهَذَا لَا يَظْهَرُ إلَّا إذَا كَانَ الْعِلْمُ يُطْلَقُ عَلَى النَّارِ وَلَمْ يَرِدْ إطْلَاقُهُ عَلَيْهَا فَالْمُنَاسِبُ تَشْبِيهُهُمْ بِالْجِبَالِ فِي الثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ وَعَدَمِ التَّزَلْزُلِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الصِّرَاطِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِسْرُ الْمَمْدُودُ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ الْأَدَقُّ مِنْ الشَّعْرَةِ الْأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْأَقْدَامُ بَاقِيَةً عَلَى مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ، وَيَكُونُ ثَبَتَ بِمَعْنَى يَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ بِأَنْ شَبَّهَ التَّثْبِيتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالتَّثْبِيتِ فِي الْمَاضِي، وَاسْتَعَارَ التَّثْبِيتَ فِي الْمَاضِي لِلتَّثْبِيتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَاشْتَقَّ مِنْ التَّثْبِيتِ فِي الْمَاضِي ثَبَتَ بِمَعْنَى يَثْبُتُ عَلَى حَدِّ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: ١] وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الدِّينُ الْحَقُّ، فَالْمَعْنَى وَثَبَّتَ لَهُمْ عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ أَقْدَامًا أَيْ: قُوَّةً، فَفِي الْأَقْدَامِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ حَيْثُ شُبِّهَتْ الْقُوَّةُ بِالْأَقْدَامِ، وَاسْتُعِيرَتْ الْأَقْدَامُ لِلْقُوَّةِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا كَوْنُ كُلٍّ يُوَصِّلُ إلَى الْمَقْصُودِ، وَمِثْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute