للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى آدَمَ فِي جُمْلَةِ الْأَسْمَاءِ.

قَالَ تَعَالَى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: ٦٥] أَيْ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا سُمِّيَ اللَّهَ غَيْرَ اللَّهِ وَأَصْلُهُ إلَاهٌ كَإِمَامٍ، ثُمَّ أَدْخَلُوا عَلَيْهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ، ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إلَى اللَّامِ، فَصَارَ الِلَاهٌ بِلَامَيْنِ مُتَحَرِّكَتَيْنِ ثُمَّ سُكِّنَتْ الْأُولَى وَأُدْغِمَتْ فِي الثَّانِيَةِ لِلتَّسْهِيلِ وَالْإِلَهُ فِي الْأَصْلِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَعْبُودٍ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ، كَمَا أَنَّ النَّجْمَ اسْمٌ لِكُلِّ كَوْكَبٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الثُّرَيَّا وَهُوَ عَرَبِيٌّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فِي أَلْفَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَوْضِعًا، وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ أَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَالَ: وَلِذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ.

وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ بُنِيَتَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمِنْهَاجِ الْحَقُّ أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مَأْخُوذٍ مِنْ شَيْءٍ بَلْ وُضِعَ عَلَمًا ابْتِدَاءً، فَكَمَا أَنَّ ذَاتَهُ لَا يُحِيطُ بِهَا شَيْءٌ وَلَا تَرْجِعُ إلَى شَيْءٍ فَكَذَلِكَ اسْمُهُ تَعَالَى لَا يَرْجِعُ إلَى شَيْءٍ يُشْتَقُّ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (تَسَمَّى بِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْوَاضِعَ لِلْأَسْمَاءِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَيْ سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُعَرِّفَهُ لِخَلْقِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَأَنْزَلَهُ عَلَى آدَمَ إلَخْ.

قَوْلُهُ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: ٦٥] اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ وَهُوَ دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يُسَمَّ بِهِ سِوَاهُ، وَقَوْلُهُ: (سَمِيًّا) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا مُسَمًّى بِاسْمِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ.

قَوْلُهُ: (غَيْرَ اللَّهِ) نَعْتٌ لِأَحَدٍ أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ الَّذِي فِي سُمِّيَ.

قَوْلُهُ: (وَأَصْلُهُ إلَاهٌ) أَيْ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي، كَمَا قِيلَ إنَّ أَصْلَهُ الْأَوَّلَ وَلَاهٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً، وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلُهُ الْأَوَّلُ إلَاهٌ لِجَمْعِهِ عَلَى آلِهَةٍ وَأَصْلُهُ أَأْلِهَةٌ وَلَمْ يَقُولُوا أَوْلِهَةٌ، وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ وَلَاهٌ لَقَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ) أَيْ بَعْدَ نَقْلِ حَرَكَتِهَا إلَى اللَّامِ قَبْلَهَا فَالنَّقْلُ قَبْلَ الْحَذْفِ لَا مَعَهُ وَلَا بَعْدَهُ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ أج. وَالْمُرَادُ بِالْهَمْزَةِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ.

قَوْلُهُ: (وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا) وَقِيلَ: إنَّ الْهَمْزَةَ حُذِفَتْ مَعَ حَرَكَتِهَا، وَهُوَ أَسْهَلُ لِبَقَاءِ سُكُونِ اللَّامِ الْأُولَى عَلَى حَالِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَسْكِينِهَا وَرَجَحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ نَقْلَ حَرَكَتِهَا أَيْ الْهَمْزَةِ يُوجِبُ ثِقَلَهَا بِسَبَبِ سُكُونِهَا لِأَنَّ السُّكُونَ يُوجِبُ ثِقَلَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا، لِأَنَّ سُكُونَهَا يُشْبِهُ التَّهَوُّعَ أَيْ التَّقَيُّؤَ، فَلِذَا حَسُنَ حَذْفُهَا سَاكِنَةً لِثِقَلِهَا. قَوْلُهُ: (وَأُدْغِمَتْ) أَيْ بَعْدَ تَسْكِينِهَا وَهُوَ إدْغَامٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لِعَدَمِ تَحَرُّكِ أَوَّلِ الْمِثْلَيْنِ أَصَالَةً مَعَ وُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا تَقْدِيرًا وَهُوَ الْهَمْزَةُ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ لِعِلَّةٍ كَالثَّابِتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي إلَهٍ خَمْسَةَ أَعْمَالٍ.

قَوْلُهُ: (فِي الْأَصْلِ) أَيْ قَبْلَ دُخُولِ أَلْ عَلَيْهِ، فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ق ل بِقَوْلِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْإِلَهُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ كَمَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (يَقَعُ) أَيْ فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ قَوْلُهُ: (ثُمَّ غَلَبَ) أَيْ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ عَرَبِيٌّ) أَيْ مِنْ أَوْضَاعِ الْعَرَبِ. اهـ. م د. لَكِنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: سُمِّيَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ أَزَلِيٌّ فَالْأَنْسَبُ تَفْسِيرُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُ مَا اُسْتُعْمِلَ أَوَّلًا مِنْ الْعَرَبِ، وَمُقَابِلُ الْأَكْثَرِ الْأَقَلُّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مُعَرَّبٌ أَيْ أَوَّلُ مَا وَضَعَهُ الْعَجَمُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ الْبَشَرُ، وَأَوَّلُ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ الْعَجَمُ لَا بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ وَاضِعِهَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلُ فَقِيلَ إنَّهُ فِي الْأَصْلِ عِبْرِيٌّ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ عِبْرَانِيٌّ، وَقِيلَ سُرْيَانِيٌّ.

قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ يَعْنِي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إذْ لَا يُصَارُ إلَى إثْبَاتِ الْعُجْمَةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ) وُصِفَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَا دُعِيَ بِهِ فِيهِ مِنْ شُرُوطِهِ يُجَابُ بِعَيْنِهِ لِوَقْتِهِ ق ل.

قَوْلُهُ: (لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ) أَيْ مَعَ كَثْرَةِ مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ اسْمَيْنِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُهَيْمِنُ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.

وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ عَنْ إيرَادِ الْمُهَيْمِنِ بِأَنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي ذَلِكَ إلَى الْقِلَّةِ بَلْ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ ". فَمُرَادُ النَّوَوِيِّ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي هَذِهِ السُّوَرِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ هَكَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ مَعَ سِيَاقِ الشَّارِحِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْتِنَادُ النَّوَوِيِّ إلَى الْحَدِيثِ لَقَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الثَّلَاثَةِ مَوَاضِعَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) لَمْ يَعْطِفْ لِأَجْلِ حِكَايَةِ اللَّفْظِ الْوَاقِعِ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَةِ الْعَطْفِ لِصِحَّةِ الْإِخْبَارِ بِالْمُثَنَّى. قَوْلُهُ: (صِفَتَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>