وَحُمِلَ عَلَى نَوْمِ الْمُمَكِّنِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا لَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّحِيفِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. نَعَمْ إنْ كَانَ بَيْنَ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ تَجَافٍ نُقِضَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ وَلَا تَمْكِينَ لِمَنْ نَامَ عَلَى قَفَاهُ مُلْصِقًا مَقْعَدَهُ بِمَقَرِّهِ، وَمِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ مُضْطَجِعًا، وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ النَّوْمِ مُمَكِّنًا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
(وَ) الثَّالِثُ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (زَوَالُ الْعَقْلِ) الْغَرِيزِيِّ بِجُنُونٍ أَوْ (بِسُكْرٍ) ، وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَلِقَوْلِ أَنَسٍ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ لَا مِنْ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ) أَيْ يَقْرُبَ خَفَقَانُ رُءُوسِهِمْ إذْ لَوْ خَفَقَتْ رُءُوسُهُمْ الْأَرْضَ حَقِيقَةً أَيْ وَصَلَتْ إلَيْهَا ارْتَفَعَ الْأَلْيَانِ.
قَوْلُهُ: (وَحُمِلَ) أَيْ حَدِيثُ أَنَسٍ. وَقَوْلُهُ: (جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ) أَيْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَدَخَلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُرِئَ بِفَتْحِهَا كَانَ الْمَعْنَى، وَدَخَلَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ. وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ فِعْلٌ وَالتَّقْدِيرُ، وَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ. وَلَوْ زَالَتْ إحْدَى أَلْيَيْ نَائِمٍ مُتَمَكِّنٍ أَوْ سَقَطَ إحْدَى ذِرَاعَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ لَهُ أَرْبَعُ حَالَاتٍ، فَإِنْ زَالَتْ إحْدَى أَلْيَيْهِ عَنْ الْأَرْضِ أَوْ وَصَلَ ذِرَاعُهُ إلَى الْأَرْضِ قَبْلَ انْتِبَاهِهِ انْتَقَضَ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ شَكَّ فِي تَقَدُّمِهِ أَوْ فِي أَنَّهُ نَائِمٌ أَوْ نَاعِسٌ، أَوْ فِي أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ أَوْ لَا. أَوْ أَنَّ مَا خَطَرَ بِبَالِهِ رُؤْيَا أَوْ حَدِيثُ نَفْسٍ فَلَا. اهـ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ كَانَ بَيْنَ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ تَجَافٍ نَقَضَ) وَلَوْ سُدَّ التَّجَافِي بِشَيْءٍ لَا يَنْتَقِضُ اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ مُضْطَجِعًا) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ حَتَّى سُمِعَ غَطِيطُهُ بِالْغَيْنِ أَوْ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَقَالَ: إنَّ عَيْنِيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ دَائِمَةُ الْيَقِظَةِ لَا يَعْتَرِيهَا غَفْلَةٌ وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا شَائِبَةُ نَوْمٍ تَمْنَعُهَا مِنْ إشْرَاقِ الْأَنْوَارِ الْإِلَهِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِفَيْضِ الْمَطَالِبِ السُّنِّيَّةِ عَلَيْهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «أَنَّهُ نَامَ فِي الْوَادِي عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ» . وَأُجِيبَ: بِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ وَظَائِفِ الْعَيْنِ وَهِيَ نَائِمَةٌ، وَالْحَدَثُ مِنْ وَظَائِفِ الْقَلْبِ وَهُوَ يَقْظَانُ كَمَا فِي ع ش. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ لَهُ نَوْمَتَيْنِ تَنَامُ فِيهَا عَيْنُهُ وَقَلْبُهُ وَنَوْمَةٌ تَنَامُ فِيهَا عَيْنُهُ دُونَ قَلْبِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: فَاسِدٌ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تَنَامُ أَعْيُنُنَا وَلَا تَنَامُ قُلُوبُنَا» .
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَعَالَى مَنَعَهُ إدْرَاكَ الشَّمْسِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمَقْضِيِّ بِعُذْرٍ اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (زَوَالُ الْعَقْلِ) كَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ أَيْ الْغَلَبَةُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ سم. قَالَ ع ش: هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ السُّكْرُ وَالْإِغْمَاءُ لَا يَزُولُ بِهِمَا الْعَقْلُ، وَإِنَّمَا يَنْغَمِرُ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ هُوَ الْقُوَّةُ الْغَرِيزِيَّةُ، وَإِنَّمَا يُزِيلُهَا الْجُنُونُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْلِ التَّمْيِيزُ. اهـ بِحُرُوفِهِ. وَهُوَ وَجِيهٌ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْعَقْلَ يُطْلَقُ عَلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ صِفَةٌ يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ وَهَذَا يُزِيلُهُ الْإِغْمَاءُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْغَرِيزِيِّ وَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ صِفَةٌ غَرِيزِيَّةٌ يَتْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ أَيْ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، وَهَذَا لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْجُنُونُ وَهُوَ مُطْلَقًا زَوَالُ الشُّعُورِ مِنْ الْقَلْبِ، ثُمَّ إنْ كَانَ مَعَ قُوَّةِ حَرَكَةِ الْأَعْضَاءِ بِلَا طَرَبٍ فَهُوَ الْجُنُونُ أَوْ مَعَ طَرَبٍ فَهُوَ السُّكْرُ أَوْ مَعَ فُتُورِ الْأَعْضَاءِ فَهُوَ الْإِغْمَاءُ أَوْ مَعَ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ فَهُوَ النَّوْمُ وَيُعَرَّفُ النَّوْمُ بِأَنَّهُ رِيحٌ لَطِيفَةٌ تَأْتِي مِنْ الدِّمَاغِ إلَى الْقَلْبِ فَتُغَطِّي الْعَيْنَ، فَإِنْ لَمْ تَصِلْ إلَى الْقَلْبِ فَهُوَ النُّعَاسُ وَلَا نَقْضَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (الْغَرِيزِيِّ) وَمَحَلُّهُ الْقَلْبُ عَلَى الرَّاجِحِ وَأَوَّلُ وُجُودِهِ عِنْدَ نَفْخِ الرُّوحِ، فَيَأْخُذُ فِي الزِّيَادَةِ لِبُلُوغِ الْأَرْبَعِينَ وَعَلَيْهِ مَدَارُ التَّكْلِيفِ، وَقِيلَ هُوَ نُورٌ فِي الْقَلْبِ تُدْرَكُ بِهِ الْعُلُومُ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهَا مَجَازٌ لِكَوْنِهَا ثَمَرَتَهُ، وَالشَّيْءُ قَدْ يُعَرَّفُ بِثَمَرَتِهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَهُوَ يَعْنِي الْعَقْلَ الْغَرِيزِيَّ أَفْضَلَ مِنْ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مَنْبَعُهُ وَأُسُّهُ؛ وَلِأَنَّ الْعِلْمَ يَجْرِي مِنْهُ مَجْرَى النُّورِ مِنْ الشَّمْسِ وَالرُّؤْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ، وَمَنْ عَكَسَ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ اسْتِلْزَامُهُ لَهُ، وَأَنَّهُ تَعَالَى يُوصَفُ بِهِ لَا بِالْعَقْلِ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ