للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَعَمْ إنْ تَزَوَّجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَنْبَغِي عَدَمُ النَّقْضِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِصَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مَجْهُولَةِ النَّسَبِ وَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ، فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ وَتَصِيرُ أُخْتًا لَهُ وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا لِمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَيْسَ لَنَا مَنْ يَنْكِحُ أُخْتَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَّا هَذَا وَلَا يَنْقُضُ صَغِيرٌ وَلَا صَغِيرَةٌ لَمْ يَبْلُغْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَدًّا يُشْتَهَى عُرْفًا لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَاهَا، وَإِنْ انْتَفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَحْوِ هَرَمٍ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَا شَعْرَ وَسِنَّ وَظُفُرَ وَعَظْمَ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الِالْتِذَاذِ فِي هَذِهِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ دُونَ اللَّمْسِ، وَلَا يَنْقُضُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ غَيْرُ الْفَرْجِ وَلَوْ قُطِعَتْ الْمَرْأَةُ نِصْفَيْنِ هَلْ يَنْقُضُ كُلٌّ مِنْهُمَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

لِلِاسْتِدْرَاكِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ إلَّا إذَا كُنَّ غَيْرَ مَحْصُورَاتٍ.

قَوْلُهُ: (انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَبَعَّضُ) أَيْ وَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّ لَمْسَهَا لَا يَنْقُضُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَبْعِيضُ الْحُكْمِ حَيْثُ حَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِهَا مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى حِلِّ نِكَاحِهَا النَّقْضُ بِلَمْسِهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا يَتَبَعَّضُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) هُوَ شَيْخُهُ الشِّهَابُ م ر.

قَوْلُهُ: (عَدَمُ النَّقْضِ) مُعْتَمَدٌ.

قَوْلُهُ: (وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا) ضَعِيفٌ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بِرَجْعَةٍ إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً وَلَا بِتَجْدِيدِ عَقْدٍ إنْ كَانَتْ بَائِنًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّزَوُّجِ عِلْمُ الْحِلِّ يَقِينًا. قَوْلُهُ: (لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَبَعَّضُ وَقَدْ عَرَفْت ضَعْفَهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْقُضُ صَغِيرٌ) أَيْ لَمْسُهُ.

وَقَوْلُهُ: (وَلَا صَغِيرَةٌ) إلَخْ خِلَافًا لِلْإِمَامِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ الْقَائِلِ بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ بِلَمْسِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمِيزَانِ: وَقَدْ أَطْلَعَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ طَرِيقِ الْإِلْهَامِ عَلَى دَلِيلٍ لِقَوْلِ الْإِمَامِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ بِلَمْسِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى. وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ اسْمَ النِّسَاءِ عَلَى الْأَطْفَالِ فِي قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ فِرْعَوْنَ: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} [القصص: ٤] وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِرْعَوْنَ إنَّمَا كَانَ يَسْتَحْيِي الْأُنْثَى عَقِبَ وِلَادَتِهَا فَكَمَا أَطْلَقَ الْحَقُّ تَعَالَى اسْمَ النِّسَاءِ عَلَى الْأُنْثَى عَقِبَ وِلَادَتِهَا فِي قِصَّةِ الذَّبْحِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] بِالْقِيَاسِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَهُوَ اسْتِنْبَاطُ حَسَنٌ لَمْ أَجِدُهُ لِغَيْرِي، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ عِلَّةَ النَّقْضِ الْأُنُوثَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهَا تُشْتَهَى أَوْ لَا تُشْتَهَى، فَقِسْ عَلَيْهِ يَا أَخِي كُلَّ مَا لَمْ تَطَّلِعْ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ عَلَى دَلِيلٍ صَرِيحٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَرُدَّ كَلَامَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ تُضَعِّفَهُ بِفَهْمِك، فَإِنَّ فَهْمَ مِثْلِك إذَا قُرِنَ بِفَهْمِ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ كَانَ كَالْهَبَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.

قَوْلُهُ: (كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ) أَيْ فِي التَّمْثِيلِ بِالْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ. قَوْلُهُ (وَلَا شَعْرَ) ، وَإِنْ نَبَتَ عَلَى الْفَرْجِ. قَالَ فِي الْمِيزَانِ: الشَّعْرَانِيَّةُ وَفِي كَلَامِ الْقَوْمِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ إلَّا إنْ كَانَ أَحْوَطَ فِي الدِّينِ مِنْ الْقَوْلِ الْأَرْجَحِ بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِلَمْسِ الصَّغِيرَةِ وَالشَّعْرِ وَالظُّفُرِ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ ضَعِيفًا فَهُوَ أَحْوَطُ فِي الدِّينِ فَكَانَ الْوُضُوءُ مِنْهُ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (وَلَا شَعْرَ وَسِنَّ) أَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ قَدْ تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (وَظُفُرَ) بِضَمِّ الظَّاءِ مَعَ سُكُونِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا، وَأُظْفُورٌ كَعُصْفُورٍ وَيُجْمَعُ عَلَى أَظْفَارٍ وَأَظَافِيرَ.

فَائِدَةٌ: الْأَظَافِيرُ حُلَّةٌ مِنْ نُورٍ كَانَتْ تَحْتَ حُلَلِ آدَمَ الْحَرِيرِ فِي الْجَنَّةِ، فَلَمَّا أَكَلَ مِنْ الشَّجَرَةِ تَطَايَرَ عَنْهُ لِبَاسُ الْجَنَّةِ وَبَقِيَتْ حُلَّةُ النُّورِ فَانْقَبَضَتْ مِنْ وَسَطِهَا وَتَقَلَّصَتْ وَانْعَقَدَتْ عَلَى رُءُوسِ أَصَابِعِهِ فَصَارَتْ ظُفُرًا، فَكَانَ إذَا نَظَرَ إلَى أَظَافِيرِهِ بَكَى وَصَارَ عَادَةً فِي أَوْلَادِهِ إذَا هَجَمَ الضَّحِكُ عَلَى أَحَدِهِمْ، فَنَظَرَ إلَى أَظَافِيرِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ سَكَنَ عَنْهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَعَظْمَ) هَذَا عَلَى طَرِيقَةٍ قَالَ بِهَا ابْنُ حَجَرٍ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعَظْمَ إذَا وَضَحَ نَقَضَ كَمَا قَالَهُ م ر.

قَوْلُهُ: (الْعُضْوُ الْمُبَانُ) أَيْ مَا لَمْ يَلْتَصِقْ بِحَرَارَةِ الدَّمِ وَيُخْشَى مِنْ فَصْلِهِ مَحْذُورٌ تَيَمَّمَ وَإِنْ لَمْ تَحِلَّهُ الْحَيَاةُ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ ح ل. أَيْ حَيْثُ قَيَّدَ بِحُلُولِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَتَبِعَهُ ق ل. وَالِاعْتِبَارُ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ لَا بِمَا انْفَصَلَ عَنْهُ، فَإِذَا اتَّصَلَ ذِرَاعُ امْرَأَةٍ بِرَجُلٍ صَارَ لَهُ حُكْمُ الرَّجُلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>