للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَيْرِهِ: «لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» . وَلِمَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ إجْرَاءُ الْقُرْآنِ عَلَى قَلْبِهِ وَنَظَرٌ فِي الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَتَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَهَمْسُهُ بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِرَاءَةِ قُرْآنِ، وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وُجُوبًا فَقَطْ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا أَمَّا خَارِجُ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا وَلَا أَنْ تُوطَأَ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا، وَيَحِلُّ لِمَنْ ذُكِرَ أَذْكَارُ الْقُرْآنِ وَغَيْرُهَا كَمَوَاعِظِهِ وَأَخْبَارِهِ وَأَحْكَامِهِ لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ كَقَوْلِهِ عِنْدَ الرُّكُوبِ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: ١٣] أَيْ مُطِيقِينَ وَعِنْدَ الْمُصِيبَةِ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ١٥٦] فَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الذِّكْرِ حَرُمَ، وَإِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

إشَارَةُ الْخُرْسِ تَجْرِي مِثْلُ نَظْمِهَا ... إلَّا الصَّلَاةَ شَهَادَاتٍ وَحِنْثَهُمْ

فَإِذَا أَشَارَ بِكَلَامٍ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِشَارَتُهُ بِالْكَلَامِ فِي صَلَاتِهِ لَا تُبْطِلُهَا، وَإِشَارَتُهُ بِالشَّهَادَةِ لَا تُقْبَلُ.

قَوْلُهُ: (لَا يَقْرَأُ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى النَّهْيِ وَبِضَمِّهَا عَلَى الْخَبَرِ الْمُرَادِ بِهِ النَّهْيُ، هَذَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ الرِّوَايَةُ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ اتِّبَاعُهَا. قَوْلُهُ: (وَقِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) أَيْ الْإِجْرَاءَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ) أَيْ الْجُنُبُ. قَوْلُهُ: (لِلصَّلَاةِ) أَيْ الْمَفْرُوضَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي النَّوَافِلَ، وَالضَّابِطُ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ إلَّا وَاجِبًا وَلَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَمِنْهُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنْ الْقُرْآنِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَأَجْنَبَ وَفَقَدَ الطَّهُورَيْنِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ مَا نَذَرَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ كَمَا فِي الَأُجْهُورِيُّ، فَالْمُمْتَنِعُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ التَّنَفُّلُ بِالْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْإِرْشَادِ فَهُوَ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ حَيْثُ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ صَلَاةَ الْفَرْضِ وَقِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِيهِ فَالْقِرَاءَةُ الْمَنْذُورَةُ هُنَا كَالْفَاتِحَةِ ثُمَّ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَمِنْ ثَمَّ يَجِبُ إعَادَتُهَا، وَالنَّذْرُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ شَرْعِيٌّ أَصَالَةً حَتَّى يُرَاعَى كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَسَامِعُ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ يُثَابُ، وَإِنْ حَرُمَتْ الْقِرَاءَةُ؛ لِأَنَّهُ سَامِعٌ لِلْقِرَاءَةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الْحُرْمَةُ عَلَى الْقَارِئِ، وَانْظُرْ هَلْ يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ الْمَنْذُورَةَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ لَا. وَمِثْلُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بَدَلُهَا الْقُرْآنِيُّ لِمَنْ عَجَزَ عَنْهَا وَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ الْقِرَاءَةَ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَكَذَا قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا) وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا شَخْصٌ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوقِعَهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ ح ل.

قَوْلُهُ: (وَلَا أَنْ تُوطَأَ الْحَائِضُ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُوطَأَ الْحَائِضُ إذَا فَقَدَتْ الطَّهُورَيْنِ، وَأَتَى الشَّارِحُ بِهِ دَفْعًا لِمَا يُقَالُ: إنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ عَلَيْهَا تَمْكِينُ زَوْجِهَا كَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ إذَا فَقَدَتْ الطَّهُورَيْنِ. فَقَالَ: وَلَا أَنْ تُوطَأَ إلَخْ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالتَّمْكِينِ أَنَّ الصَّلَاةَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ التَّمْكِينِ إذْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ.

قَوْلُهُ: (أَذْكَارَ الْقُرْآنِ إلَخْ) سَوَاءٌ وَجَدَ نَظْمَهُ فِي الْقُرْآنِ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ) بِأَنْ كَانَ يَقْصِدُ الذِّكْرَ أَوْ أَطْلَقَ. قَوْلُهُ: (كَمَوَاعِظِهِ) وَجُمْلَةُ أَنْوَاعِهِ تِسْعَةٌ مَنْظُومَةٌ فِي قَوْلِهِ:

أَلَا إنَّمَا الْقُرْآنُ تِسْعَةُ أَحْرُفٍ ... فَخُذْهَا بِبَيْتٍ قَدْ أَتَاك بِلَا جَدَلٍ

حَلَالٌ حَرَامٌ مُحْكَمٌ مُتَشَابِهٌ ... بَشِيرٌ نَذِيرٌ قِصَّةٌ عِظَةٌ مَثَلٌ

وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ قِيلَ إنَّهُمَا لِلسُّيُوطِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْأَحْرُفِ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ التِّسْعَةُ.

قَوْلُهُ: (سُبْحَانَ) عِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الشَّمَائِلِ: لَمَّا كَانَ تَسْخِيرُ الدَّوَابِّ لَنَا مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ تَعَالَى نَاسَبَ كُلَّ الْمُنَاسَبَةِ أَنْ نُنَزِّهَهُ عَنْ الشَّرِيكِ حَيْثُ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: ١٣] وَقِيلَ: هُوَ تَنْزِيهٌ لَهُ عَنْ الِاسْتِوَاءِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى مَكَان كَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: ١٣] مُطِيقِينَ لَوْلَا تَسْخِيرُهُ، وَلَمَّا كَانَ رُكُوبُ الدَّابَّةِ مِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ، فَقَدْ يَنْقَلِبُ عَنْهَا فَيَهْلِكُ تَذَكَّرَ الِانْقِلَابَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>