للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ) لِأَنَّ النَّوَافِلَ تَكْثُرُ فَيُؤَدِّي إيجَابُ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا إلَى التَّرْكِ أَوْ إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ فَخَفَّفَ فِي أَمْرِهَا كَمَا خَفَّفَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَبِتَرْكِ الْقِبْلَةِ فِي السَّفَرِ.

وَلَوْ نَذَرَ إتْمَامَ كُلِّ صَلَاةٍ دَخَلَ فِيهَا فَلَهُ جَمْعُهَا مَعَ فَرْضٍ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا نَفْلٌ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ.

وَلَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ أَرَادَ إعَادَتَهَا جَمَاعَةً جَازَ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ الْأُولَى، ثُمَّ كُلُّ صَلَاةٍ أَوْجَبْنَا فِي الْوَقْتِ، وَأَوْجَبْنَا إعَادَتَهَا كَمَرْبُوطٍ عَلَى خَشَبَةٍ فَفَرْضُهُ الثَّانِيَةُ، وَلَهُ أَنْ يُعِيدَهَا بِتَيَمُّمِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأُولَى، وَإِنْ وَقَعَتْ نَفْلًا فَالْإِتْيَانُ بِهَا فَرْضٌ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَمَعَهُمَا بِتَيَمُّمٍ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْضٌ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا كَالْمَنْسِيَّةِ فِي خَمْسٍ يَجُوزُ جَمْعُهُمَا بِتَيَمُّمٍ، وَإِنْ كَانَتْ فُرُوضًا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ بِالذَّاتِ وَاحِدَةٌ.

وَمَنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ، وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهَا كَفَاهُ لَهُنَّ تَيَمُّمٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ وَاحِدٌ وَمَا سِوَاهُ وَسِيلَةٌ لَهُ، فَلَوْ تَذَكَّرَ الْمَنْسِيَّةَ بَعْدُ لَمْ يَجِبْ إعَادَتُهَا كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَوْ نَسِيَ مُخْتَلِفَتَيْنِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فِيهَا) هَذَا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ فَهِيَ كَالنَّفْلِ. قَوْلُهُ: (قِوَامُهَا) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ أَيْ لَا تَقُومُ وَلَا تُوجَدُ إلَّا بِهِ.

قَوْلُهُ: (يَمْحِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ مَحَى إنْ قُلْت فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ. {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [الرعد: ٣٩] بِالْوَاوِ. قُلْت: نَعَمْ هِيَ بَعْضُ لُغَاتِهَا فَفِي الصِّحَاحِ مَحَى لَوْحَهُ يَمْحُوهُ مَحْوًا وَيَمْحِيهِ مَحْيًا اهـ.

قَوْلُهُ: (مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ) أَيْ وَالْجَنَائِزِ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ النَّوَافِلَ إلَخْ) وَلِأَنَّهَا فِي حُكْمِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَةٍ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا مِائَةَ رَكْعَةٍ بِالنِّيَّةِ، وَبِالْعَكْسِ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ م د أَيْ: إذَا نَوَى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رَكْعَةٍ بِالنِّيَّةِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا نَفْلٌ) يَقْتَضِي أَنَّ انْتِهَاءَهَا فَرْضٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهَا كُلَّهَا نَفْلٌ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ فِيهَا الْإِتْمَامُ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَةِ الصَّلَاةِ، وَعِبَارَةُ م ر إذْ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْلٌ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ كَالْحَجِّ النَّفْلِ اهـ وَقَالَ ق ل بَلْ كُلُّهَا نَفْلٌ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فَرْضَهُ الْأُولَى) أَيْ وَالثَّانِيَةُ نَفْلٌ أَيْ فَقَدْ جَمَعَ فِي تَيَمُّمِهِ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ. فَإِنْ قُلْت: إذَا صَلَّى أَوَّلًا وَأَحْدَثَ، وَأَرَادَ أَنْ يُعِيدَ، وَقُلْتُمْ: إنَّهَا نَافِلَةٌ هَلْ يَكْفِي فِي نِيَّةِ التَّيَمُّمِ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ فَرْضِ الصَّلَاةِ؟ قُلْت: قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ مُحَاكَاةً لِلصُّورَةِ الْأُولَى اهـ اج. قَوْلُهُ: (فَالْإِتْيَانُ بِهَا فَرْضٌ) أَيْ فَالتَّيَمُّمُ لِلْفَرْضِ لَا لِلنَّفْلِ، وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَ الْإِتْيَانُ بِهَا فَرْضًا فَهِيَ وَاقِعَةٌ نَفْلًا، فَفِي الْعِبَارَةِ قَلْبٌ وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأُولَى إلَخْ. جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا وَقَعَتْ صَلَاتُهُ الْأُولَى نَافِلَةً كَانَ مُتَيَمِّمًا لِنَفْلٍ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرْضًا. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْأُولَى إلَخْ.

قَوْلُهُ: (أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا) أَيْ الْفَرْضَ الَّذِي أَعَادَهُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ. وَعِبَارَةُ م ر بِأَنَّ هَذِهِ إلَخْ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْقَلْيُوبِيُّ: هَذَا الْجَوَابُ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ اهـ وَقَوْلُهُ: (هَذَا الْجَوَابُ) إلَخْ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَا قَبْلَهُ جَوَابٌ آخَرُ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ. وَحَاصِلُ السُّؤَالِ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّتْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ بِهَذَا التَّيَمُّمِ مَعَ أَنَّ الْأُولَى وَقَعَتْ نَفْلًا، وَالثَّانِيَةُ هِيَ الْفَرِيضَةُ. وَلَا يَصِحُّ صَلَاةُ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ.

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْأُولَى وَإِنْ وَقَعَتْ نَفْلًا فَالْإِتْيَانُ بِهَا فَرْضٌ أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالتَّيَمُّمُ لِفَرْضٍ لَا لِنَفْلٍ فَصَحَّ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَهُوَ الثَّانِيَةُ بِهِ. وَأَمَّا هَذَا الْجَوَابُ فَعَنْ السُّؤَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ النَّاشِئُ مِنْ جَوَابِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ. وَحَاصِلُ هَذَا السُّؤَالِ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَرْضًا، فَكَيْفَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ؟ وَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أُجِيبُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ إلَخْ) وَهَذِهِ مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ: فَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنْ أَدَّى بِهِ فُرُوضًا عَدِيدَةً ظَاهِرًا تَوَصُّلًا لِذَلِكَ الْفَرْضِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْفَرْضَ وَاحِدٌ) وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بِالتَّيَمُّمِ لَوْ لَزِمَهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>