للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْعَفْوُ فَيَقَعُ الْقَلِيلُ مِنْهُ فِي مَحَلِّ الْمُسَامَحَةِ. قَالَ فِي الْأُمِّ: وَالْقَلِيلُ مَا تَعَافَاهُ النَّاسُ أَيْ عَدُّوهُ عَفْوًا وَالْقَيْحُ دَمٌ اسْتَحَالَ إلَى نَتِنٍ وَفَسَادٍ وَمِثْلُهُ الصَّدِيدُ، أَمَّا دَمُ نَحْوِ الْكَلْبِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِغِلَظِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ دَمًا أَجْنَبِيًّا وَلَطَّخَ بِهِ بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ حَرَامٌ، وَأَمَّا دَمُ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الَّذِي لَمْ يَنْفَصِلْ كَدَمِ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ انْتَشَرَ بِعِرْقٍ أَمْ لَا، وَيُعْفَى عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَالْقَمْلِ وَالْبَقِّ وَوَنِيمِ الذُّبَابِ، وَعَنْ قَلِيلِ بَوْلِ الْخُفَّاشِ، وَعَنْ رَوْثِهِ وَبَوْلِ الذُّبَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ وَالْقَمْلِ رَشَحَاتٌ تَمُصُّهَا مِنْ الْإِنْسَانِ وَلَيْسَ لَهَا دَمٌ فِي نَفْسِهَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمِثْلُهَا الْقَمْلُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْعَفْوِ مِنْ سَائِرِ الدِّمَاءِ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ اخْتَلَطَ بِهِ، وَلَوْ دَمَ نَفْسِهِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ دَمٌ أَوْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، نَعَمْ يُعْفَى عَنْ مَاءِ الطَّهَارَةِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ وَضْعَهُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ: لَوْ تَنَجَّسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ بِمَعْفُوٍّ عَنْهُ لَا يُمْسَحُ عَلَى أَسْفَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَهُ زَادَ التَّلْوِيثُ وَلَزِمَهُ حِينَئِذٍ غَسْلُهُ وَغَسْلُ الْيَدِ انْتَهَى. وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا لَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (يَتَطَرَّقُ) أَيْ يَنْجَرُّ إلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ الصَّدِيدُ) وَهُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ مُخْتَلَطٌ بِدَمٍ قَبْلَ أَنْ تُغَلَّظَ الْمُدَّةُ وَعِبَارَةُ ق ل. وَمِثْلُهُ أَيْ الدَّمِ الْيَسِيرِ الصَّدِيدُ وَمَاءُ الْجُرُوحِ وَنَحْوُ الْقُرُوحِ وَالنِّفَاطَاتِ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ أَخَذَ دَمًا أَجْنَبِيًّا) أَيْ لِكَوْنِ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ تَعَدِّيًا وَخَرَجَ بِهِ دَمُ الْبَثَرَاتِ وَنَحْوِهَا فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ بِفِعْلِهِ كَمَا يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا بِغَيْرِ فِعْلِهِ. وَفِي شَرْحِ م ر: لَوْ لَطَّخَ نَفْسَهُ بِدَمِ أَجْنَبِيٍّ عَبَثًا لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا فَلَا يُنَاسِبُهُ الْعَفْوُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ. قَوْلُهُ: (وَيُعْفَى عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ) وَإِنْ كَثُرَ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ نَعَمْ لَا يُعْفَى عَنْ حَمْلِ ثَوْبٍ فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ كَثِيرٌ وَلَا يُعْفَى عَنْ افْتِرَاشِهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا عَنْهُ مُطْلَقًا فِي نَحْوِ مَائِعٍ وَمَاءٍ قَلِيلٍ. قَوْلُهُ: (وَوَنِيمِ الذُّبَابِ) أَيْ رَوْثِهِ.

قَوْلُهُ: (وَعَنْ قَلِيلِ بَوْلِ الْخُفَّاشِ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ الْعَفْوَ " عَنْ " كَثِيرِهِ أَيْضًا، فَالْقَلِيلُ لَيْسَ قَيْدًا، وَالْخُفَّاشُ لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ بَقِيَّةُ الطُّيُورِ كَذَلِكَ كَمَا فِي ق ل.

قَوْلُهُ: (وَعَنْ رَوْثِهِ) مُقْتَضَى إعَادَةِ عَنْ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الْكَثِيرِ. وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ خِلَافُهُ، وَالنُّسَخُ الصَّحِيحَةُ لَيْسَ فِيهَا إعَادَةُ " عَنْ " فَيَكُونُ مُسَلَّطًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ: وَعَنْ رَوْثِهِ أَيْ الْقَلِيلِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَقِيلَ بِالْعَفْوِ عَنْ الْكَثِيرِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (تَمُصُّهَا) أَيْ ثُمَّ تَمُجُّهَا فَهُوَ مِنْ الْقَيْءِ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهَا الْقَمْلُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فِي نَفْسِهَا وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهَا تَمُجُّهُ كَالْبَرَاغِيثِ فَلْيُرَاجَعْ.

قَوْلُهُ: (بِأَجْنَبِيٍّ) أَيْ، غَيْرِ الدَّمِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ. وَقَدْ أَلْغَزَ فِي هَذَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

حَيِّ الْفَقِيهَ الشَّافِعِيَّ وَقُلْ لَهُ ... مَا ذَلِكَ الْحُكْمُ الَّذِي يُسْتَغْرَبُ

نَجِسٌ عُفِيَ عَنْهُ وَلَوْ خَالَطَهُ ... نَجِسٌ طَرَا فَالْعَفْوُ بَاقٍ يُصْحَبُ

وَإِذَا طَرَا بَدَلَ النَّجَاسَةِ طَاهِرُ ... لَا عَفْوَ يَا أَهْلَ الذَّكَاءِ تَعَجَّبُوا

أَجَابَهُ بَعْضُهُمْ:

حُيِّيتَ إذْ حَيَّيْتَنَا وَسَأَلَتْنَا ... مُسْتَغْرِبًا مِنْ حَيْثُ لَا يُسْتَغْرَبُ

الْعَفْوُ فِي نَجِسٍ عَرَاهُ مِثْلُهُ ... مِنْ جِنْسِهِ لَا مُطْلَقًا فَاسْتَوْعِبُوا

وَالشَّيْءُ لَيْسَ يُصَانُ عَنْ أَمْثَالِهِ ... لَكِنَّهُ لِلْأَجْنَبِيِّ يُجَنَّبُ

وَأَرَاك قَدْ أَطْلَقْتَ مَا قَدْ قَيَّدُوا ... وَهُوَ الْعَجِيبُ وَفَهْمُ ذَاكَ الْأَعْجَبُ

قَوْلُهُ: (وَلَوْ دَمَ نَفْسِهِ) صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ نَفْسِهِ كَرُطُوبَةِ الْمَنَافِذِ وَهَذَا مَا قَالَهُ شَيْخُنَا م ر. وَخَالَفَهُ حَجّ وَقَالَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ ق ل. قَوْلُهُ: (نَعَمْ يُعْفَى عَنْ مَاءِ الطَّهَارَةِ. . . إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا م د. وَخَرَجَ التَّنَظُّفُ وَالتَّبَرُّدُ فَلَا يَلْحَقَانِ بِالطَّهَارَةِ وَقِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>