للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: وَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِغُسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ عُهِدَ غَسْلُ الطَّاهِرِ بِدَلِيلِ الْمُحْدِثِ بِخِلَافِ نَجِسِ الْعَيْنِ.

(وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ) وَكُلُّ جَامِدٍ، وَلَوْ مَعْضًا مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وُجُوبًا. (مِنْ وُلُوغِ) كُلٍّ مِنْ (الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ) وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وَكَذَا بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ لُعَابُهُ وَبَوْلُهُ وَسَائِرُ رُطُوبَاتِهِ وَأَجْزَائِهِ الْجَافَّةِ إذَا لَاقَتْ رَطْبًا (سَبْعَ مَرَّاتٍ) بِمَاءٍ طَهُورٍ (إحْدَاهُنَّ) فِي غَيْرِ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ (بِتُرَابٍ طَهُورٍ) يَعُمُّ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ بِأَنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِغُسْلِهِ فَلَا يَكُونُ نَجِسَ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ نَقِيضِ التَّالِي يُنْتِجُ نَقِيضَ الْمُقَدَّمِ؛ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى قِيَاسٍ اسْتِثْنَائِيٍّ حُذِفَتْ فِيهِ الِاسْتِثْنَائِيَّة وَالنَّتِيجَةُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ قِيلَ وَلَوْ كَانَ طَاهِرًا إلَخْ. وَهَذَا السُّؤَالُ وَارِدٌ مِنْ طَرَفِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِالْمِثْلِ مِنْ طَرَفِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: لَوْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ لَمْ يُؤْمَرْ بِغُسْلِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ.

قَوْلُهُ: (وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ) ذِكْرُ الْإِنَاءِ لَيْسَ قَيْدًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِلتَّبَرُّكِ بِالْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَيْ غَسْلُ الْإِنَاءِ إذَا أُرِيدَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ نَحْوِ نَقْلِ الْمَاءِ لِإِطْفَاءِ نَارٍ اج. وَمِثْلُ الْغَسْلِ الِانْغِسَالُ بِغَيْرِ فِعْلٍ ق ل، فَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَكْفِي انْغِسَالُهُ وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا لَوْ تَنَجَّسَ حَمَّامٌ بِنَحْوِ كَلْبٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا اُحْتُمِلَ مُرُورُ الْمَاءِ عَلَيْهِ سَبْعًا مَعَ التَّتْرِيبِ، وَلَوْ مِنْ نِعَالِ دَاخِلِيهِ طَهُرَ، وَلِهَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: فَائِدَةٌ حَمَّامٌ إلَخْ لِيُفِيدَ مَا ذَكَرَ.

قَوْلُهُ: (وَكُلُّ جَامِدٍ) أَيْ غَيْرُ نَجِسِ الْعَيْنِ، فَلَوْ بَالَ كَلْبٌ عَلَى عَظْمِ مَيْتَةِ نَحْوِ حِمَارٍ فَغُسِلَ سَبْعًا. إحْدَاهَا بِتُرَابٍ لَمْ يَطْهُرْ أَيْ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةُ الْمُغَلَّظَةُ حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبًا رَطْبًا مَثَلًا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْبِيعِهِ سم اج. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: يَطْهُرُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ فَلَا يُسَبَّعُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ، وَأَمَّا الْمَائِعُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَاءٍ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَإِنْ كَانَ مَاءً أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ بِالْمُكَاثَرَةِ وَلَا يَحْتَاجُ لِتَتْرِيبِهِ إنْ كَانَتْ نَجَاسَتُهُ مُغَلَّظَةً. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَحَوَاشِيهِ وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ أَيْ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُغَلَّظِ وَالْمُخَفَّفِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ جَمَدَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَعَسَلٍ انْعَقَدَ سُكْرًا، وَلَبَنٍ انْعَقَدَ جُبْنًا تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَدَقِيقٍ عُجِنَ بِهِ، وَلَوْ انْمَاعَ فَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَأَمَّا نَحْوُ السُّكْرِ فَإِنْ تَنَجَّسَ بَعْدَ جُمُودِهِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ أَوْ بِالْكَشْطِ أَوْ حَالَ انْمِيَاعِهِ لَمْ يَطْهُرْ مُطْلَقًا كَالْعَسَلِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ سم وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعْضًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْمَكَانِ أَيْ مَكَانَ عَضٍّ، وَذَلِكَ الْمَكَانُ مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّيْدِ وَلِلتَّعْمِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ؛ إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ يَجِبُ تَقْوِيرُهُ وَلَا يُطَهِّرُ الْغَسْلُ، وَقِيلَ يُعْفَى عَنْهُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ أَصْلًا، وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُ سَبْعًا مِنْ غَيْرِ تَتْرِيبٍ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. وَالْخَامِسُ غَسْلُهُ سَبْعًا بِتُرَابٍ كَمَا حَكَاهَا م ر فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الصَّيْدُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ وُلُوغِ) وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ لِسَانَهُ فِي الْمَائِعِ وَيُحَرِّكَهُ وَالشُّرْبُ أَعَمُّ مِنْهُ فَكُلُّ وُلُوغٍ شُرْبٌ وَلَا عَكْسَ سم.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا بِمُلَاقَاةِ إلَخْ) أَيْ فَالْوُلُوغُ لَيْسَ قَيْدًا، نَعَمْ إنْ مَسَّ شَيْئًا دَاخِلَ مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ يَنْجُسْ إذَا عَدَّ الْمَاءَ حَائِلًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَ بِيَدِهِ عَلَى نَحْوِ رِجْلِ الْكَلْبِ دَاخِلَ الْمَاءِ قَبْضًا شَدِيدًا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَاءٌ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا التَّنْجِيسُ، وَقَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ التَّنْجِيسِ بِمُمَاسَّتِهِ دَاخِلَ الْمَاءِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ حِينَئِذٍ وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ مُلَاقَاةَ النَّجَاسَاتِ مُبْطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَجَّسْ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى نَجِسٍ جَافٍّ سم شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مِنْ أَجْزَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَيُقَاسُ الْفَرْعُ أَيْ مَعَ تَوَسُّطِ رُطُوبَةٍ. قَوْلُهُ: (سَبْعَ مَرَّاتٍ) وَلَوْ سَبْعَ جِرْيَاتٍ أَوْ تَحْرِيكَهُ سَبْعَ حَرَكَاتٍ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَيُحْسَبُ ذَهَابِ الْعُضْوِ وَعَوْدُهُ مَرَّتَيْنِ، وَفَارَقَ عِنْدَ ذَهَابِ الْعُضْوِ وَعَوْدِهِ فِي الصَّلَاةِ مَرَّةً وَاحِدَةً نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَتَحَرُّزًا مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَلِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ جِنْسُ الْفِعْلِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْغَسْلُ سَبْعًا وَبِالتُّرَابِ تَعَبُّدِيٌّ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ غَمَسَ الْمُتَنَجِّسَ بِمَا ذُكِرَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ وَحَرَّكَهُ سَبْعًا وَتَرَّبَهُ طَهُرَ، وَإِنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ فَوَاحِدَةٌ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي انْغِمَاسِ الْمُحْدِثِ مِنْ تَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ، وَالْعَدَدُ ذَوَاتٌ مَقْصُودَةٌ، فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ اهـ اط ف.

قَوْلُهُ: (إحْدَاهُنَّ) لَمْ يَقُلْ إحْدَاهَا، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا لَا يُفْعَلُ إنْ كَانَ مُسَمَّاهُ عَشَرَةً فَمَا دُونَ فَالْأَكْثَرُ الْمُطَابَقَةُ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُ الْإِفْرَادُ، وَقَدْ جَاءَ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} [التوبة: ٣٦] الْآيَةَ فَأَفْرَدَ فِي قَوْلِهِ " مِنْهَا " لِرُجُوعِهِ لِاثْنَيْ عَشَرَ وَجَمَعَ فِي قَوْلِهِ: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ} [التوبة: ٣٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>