يَنْجُسْ، وَتَكُونُ كَثْرَةُ الْمَاءِ مَانِعَةً مِنْ تَنَجُّسِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: هَلْ يَجِبُ إرَاقَةُ الْمَاءِ الَّذِي تَنَجَّسَ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ أَوْ يَنْدُبُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَحَدِيثُ الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ، وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَإِنْ خَرَجَ فَمُهُ جَافًّا لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ أَوْ رَطْبًا فَكَذَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَرُطُوبَتُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِنْ لُعَابِهِ.
(وَيُغْسَلُ مِنْ سَائِرِ) أَيْ بَاقِي (النَّجَاسَاتِ) الْمُخَفَّفَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ (مَرَّةً) وُجُوبًا (تَأْتِي عَلَيْهِ) وَقَدْ مَرَّ دَلِيلُ ذَلِكَ، وَكَيْفِيَّةُ الْغُسْلِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَغَسْلُ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ وَاجِبٌ (وَالثَّلَاثُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالثَّلَاثَةُ بِالتَّاءِ (أَفْضَلُ) أَيْ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَرَّةٍ، فَيُنْدَبُ أَنْ يُغْسَلَ غَسْلَتَيْنِ بَعْدَ الْغَسْلَةِ الْمُزِيلَةِ لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ لِتَكْمُلَ الثَّلَاثُ، فَإِنَّ الْمُزِيلَةَ لِلنَّجَاسَةِ وَاحِدَةٌ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ كَمَا مَرَّ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّكِّ فِي النَّجَاسَةِ لِحَدِيثِ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ» فَعِنْدَ تَحَقُّقِهَا أَوْلَى وَشَمِلَ ذَلِكَ الْمُغَلَّظَةَ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الشَّامِلِ الصَّغِيرِ فَيُنْدَبُ مَرَّتَانِ بَعْدَ طُهْرِهَا. وَقَالَ الْجِيلِيُّ: لَا يُنْدَبُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكَبَّرَ لَا يُكَبَّرُ كَمَا أَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ أَيْ فَتُثَلَّثُ النَّجَاسَةُ الْمُخَفَّفَةُ وَالْمُتَوَسِّطَةُ دُونَ الْمُغَلَّظَةِ وَهَذَا أَوْجَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِي إزَالَتِهَا نِيَّةٌ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ كَتَرْكِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ. وَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الصَّوْمِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَقْصُودًا لِقَمْعِ الشَّهْوَة، وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى اُلْتُحِقَ بِالْفِعْلِ، وَيَجِبُ أَنْ يُبَادِرَ بِغَسْلِ الْمُتَنَجِّسِ عَاصٍ بِالتَّنْجِيسِ كَأَنْ اسْتَعْمَلَ النَّجَاسَةَ فِي بَدَنِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ خُرُوجًا مِنْ الْمَعْصِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِهِ فَلِنَحْوِ الصَّلَاةِ وَيُنْدَبُ أَنْ يُعَجِّلَ بِهِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ بِالْمُغَلَّظَةِ مُطْلَقًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْعَاصِي بِالْجَنَابَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ أُصْبُعَهُ مَثَلًا بَيْنَ أَسْنَانِ الْكَلْبِ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ رُطُوبَةً لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِتَنْجِيسٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَدْخَلَ) أَيْ الْكَلْبُ رَأْسَهُ أَيْ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ إصَابَتَهُ لِلْمَاءِ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَرُطُوبَتُهُ) أَيْ رُطُوبَةُ فَمِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُغْسَلُ) أَيْ الْإِنَاءُ وَهُوَ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا الْغَسْلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ إذْ الْمُرَادُ الِانْغِسَالُ وَلَوْ بِغَيْرِ فِعْلٍ وَلَا قَصْدٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (مِنْ سَائِرِ) أَيْ مِنْ أَجْلِ إصَابَةِ شَيْءِ سَائِرِ إلَخْ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْمُخَفَّفَةِ) لَا يَخْفَى مِمَّا مَرَّ أَنَّ وَاجِبَهَا الرَّشُّ، فَالْحُكْمُ بِغَسْلِهَا هُنَا لَا يُلَائِمُهُ اهـ ق ل. إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْغَسْلِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الرَّشَّ أَيْ: فَغَلَبَ الْغَسْلُ عَلَى النَّضْحِ وَأُطْلِقَ عَلَى الْكُلِّ غَسْلًا. قَوْلُهُ: (وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَالثَّلَاثَةُ بِالتَّاءِ) أَيْ وَعَلَيْهِ، فَوَجْهُ جَرَيَانِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ حَذْفُ الْمَعْدُودِ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ حَيْثُ حُذِفَ الْمَعْدُودُ جَازَ تَذْكِيرُ الْعَدَدِ وَتَأْنِيثُهُ. قَوْلُهُ: (لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ) أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْوَصْفِ.
قَوْلُهُ: (قَوْلُهُ لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَالثَّلَاثُ أَفْضَلُ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَأْخُوذٌ بِالْقِيَاسِ الْأَوْلَوِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَشَمِلَ ذَلِكَ) أَيْ التَّثْلِيثُ الْمُغَلَّظَةَ إلَخْ. فِي كَلَامِهِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ سَائِرَ بِمَعْنَى: بَاقِيَ، وَبِهِ تَخْرُجُ الْمُغَلَّظَةُ؛ إذْ وَاجِبُهَا التَّسْبِيعُ، فَفِي الشُّمُولِ نَظَرٌ، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ أَيْضًا مُخْرِجَةٌ لِلْمُغَلَّظَةِ لِقَوْلِهِ: وَالثَّلَاثُ أَفْضَلُ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ فِيمَا وَاجِبُهُ التَّسْبِيعُ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُكَبَّرَ لَا يُكَبَّرُ) أَيْ أَنَّ الشَّارِعَ بَالَغَ فِي تَكْبِيرِهِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ الشَّيْءَ إذَا صُغِّرَ مَرَّةً لَا يُصَغَّرُ أُخْرَى، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: الشَّيْءُ إذَا انْتَهَى نِهَايَتَهُ فِي التَّغْلِيظِ لَا يَقْبَلُ التَّغْلِيظَ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَكَقَتْلِ الْعَمْدِ وَشَبَهِهِ لَا تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهَا مُغَلَّظَةٌ وَإِنْ غُلِّظَتْ فِي الْخَطَأِ. قَوْلُهُ: (كَمَا أَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ) وَذَلِكَ كَبَوْلِ الصَّبِيِّ، فَإِنَّهُ صُغِّرَ مَرَّةً حَيْثُ كَانَ وَاجِبُهُ النَّضْحَ فَقَطْ فَلَا يُصَغَّرُ مَرَّةً أُخْرَى بِأَنْ يَكُونَ وَاجِبُهُ شَيْئًا آخَرَ أَقَلَّ مِنْ النَّضْحِ، وَأَدْنَى مِنْهُ كَالْمَسْحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَغَسْلُ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ وَاجِبٌ فَقَطْ وَلَمْ يَقُلْ بِنِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ) أَيْ مِنْ قِسْمِ