وَالنِّفَاسِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْحَيْضُ عَلَى النِّفَاسِ إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَمْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَكَانَ طُرُوءُهُ بَعْدَ بُلُوغِ النِّفَاسِ أَكْثَرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، أَمَّا إذَا طَرَأَ قَبْلَ بُلُوغِ النِّفَاسِ أَكْثَرُهُ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا إلَّا إذَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ الطُّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ لَا تَحِيضُ الْمَرْأَةُ فِي عُمُرِهَا إلَّا مَرَّةً وَقَدْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا. (وَأَقَلُّ زَمَنٍ) أَيْ سِنٍّ (تَحِيضُ فِيهِ الْمَرْأَةُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْجَارِيَةُ (تِسْعُ سِنِينَ) قَمَرِيَّةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَلَوْ بِالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ لِلْوُجُودِ، لِأَنَّ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ لَا ضَابِطَ لَهُ شَرْعِيٌّ وَلَا لُغَوِيٌّ يُتَّبَعُ فِيهِ الْوُجُودُ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَعْجَلُ مَنْ سَمِعْت مِنْ النِّسَاءِ يَحِضْنَ نِسَاءُ تُهَامَةَ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ أَيْ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا فَيُتَسَامَحُ قَبْلَ تَمَامِهَا بِمَا لَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا دُونَ مَا يَسَعُهُمَا، وَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ أَيَّامًا، بَعْضُهَا قَبْلَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ، وَبَعْضُهَا فِيهِ جُعِلَ الثَّانِيَ حَيْضًا إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ الْمَارَّةُ. (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ السِّنِّ لِجَوَازِ أَنْ لَا تَحِيضَ أَصْلًا كَمَا مَرَّ (وَأَقَلُّ) زَمَنِ (الْحَمْلِ) (سِتَّةُ أَشْهُرٍ) وَلَحْظَتَانِ لَحْظَةٌ لِلْوَطْءِ وَلَحْظَةٌ لِلْوَضْعِ مِنْ إمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ (وَأَكْثَرُهُ) أَيْ زَمَنِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) وَكَذَا بَيْنَ نِفَاسَيْنِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَهِيَ نُفَسَاءُ فَتَحْمِلُ إنْ قُلْنَا إنَّ النِّفَاسَ لَا يَمْنَعُ الْعُلُوقَ وَيَسْتَمِرُّ النِّفَاسُ مِنْ مُدَّةٍ يَكُونُ الْحَمْلُ فِيهَا عَلَقَةً ثُمَّ يَنْقَطِعُ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَنْزِلُ عَقِبَهُ النِّفَاسُ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ الطُّهْرِ لَا يُقَيَّدُ كَوْنُهُ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمُقَيَّدِ بِدُونِ قَيْدِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّ زَمَنِ حَيْضٍ إلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ رَأَى جَدَّةً بِنْتَ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَأَنَّهَا حَاضَتْ لِاسْتِكْمَالِ تِسْعٍ، وَوَضَعَتْ بِنْتًا لِاسْتِكْمَالِ عَشْرٍ، وَوَقَعَ لِبِنْتِهَا مِثْلُ ذَلِكَ اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (قَمَرِيَّةٍ) هُوَ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِتِسْعٍ وَبِالْجَرِّ صِفَةٌ لِسِنِينَ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ الْجَائِزِ لَا الْمُمْتَنِعِ، وَالسَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَخُمُسُ يَوْمٍ وَسُدُسُهُ بِخِلَافِ الْعَدَدِيَّةِ فَإِنَّهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا لَا تَنْقُصُ يَوْمًا وَلَا تَزِيدُ. اهـ. ز ي. قَالَ عَبْدُ الْبَرِّ: لَمْ تُفَرِّقُ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ السَّنَةِ وَالْعَامِ وَجَعَلُوهُمَا بِمَعْنًى. قَالَ ابْنُ الْجَوَالِيقِيِّ: وَهُوَ غَلَطٌ؛ إذْ السَّنَةُ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ عَدَدْته إلَى مِثْلِهِ، وَالْعَامُ لَا يَكُونُ إلَّا شِتَاءً وَصَيْفًا وَنَحْوُهُ فِي التَّهْذِيبِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: اسْتِعْمَالُ السَّنَةِ فِي الْحَوْلِ الَّذِي فِيهِ الشِّدَّةُ وَالْجَدْبُ وَالْعَامُ لِمَا فِيهِ الرَّخَاءِ وَالْخِصْبِ، وَبِهَذَا تَظْهَرُ النُّكْتَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] حَيْثُ عَبَّرَ عَنْ الْمُسْتَثْنَى بِالْعَامِ وَعَنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِالسَّنَةِ اهـ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ قَوْلُهُ: (لِلْوُجُودِ) أَيْ لِلِاسْتِقْرَاءِ، وَعَبَّرَ بِهِ لِلتَّفَنُّنِ أَوْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَا وَرَدَ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ زَمَنَ الْحَيْضِ يَرْجِعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَرْجِعُهُ الِاسْتِقْرَاءُ مِنْ الْأَئِمَّةِ. قَوْلُهُ: (كَالْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ الْمَبِيعِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُودِ هُنَا الْعُرْفُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ هُنَا الِاسْتِقْرَاءُ، وَالتَّتَبُّعُ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَعَلَّ الشَّارِحَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَحَلٌّ بِمَحَلٍّ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْحِرْزِ) أَيْ حِرْزِ الْمَاءِ فِي السَّرِقَةِ، فَإِنَّهُ يُرْجَعُ فِيهِمَا لِلْعُرْفِ.
قَوْلُهُ: (بِمَا لَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا) كَأَنْ رَأَتْهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلُّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ) كَأَنْ رَأَتْهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ التِّسْعِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَامْتَدَّ الدَّمُ إلَى أَنْ بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ مَثَلًا اهـ اج. فَيَكُونُ الدَّمُ اسْتَمَرَّ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ الثَّلَاثَةُ الْأُولَى مِنْهَا دَمُ فَسَادٍ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ زَمَنِ إمْكَانِ الْحَيْضِ، وَالْخَمْسَةُ الْأَخِيرَةُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَكَأَنْ رَأَتْ الدَّمَ عِشْرِينَ يَوْمًا بَقِيَتْ مِنْ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى دَمُ فَسَادٍ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ.
قَوْلُهُ: (شُرُوطُهُ الْمَارَّةُ) أَيْ لَا يَنْقُصُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يُجَاوِزُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَمُرَادُهُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) وَأَمَّا غَالِبُ سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ الْمَرْأَةُ فَعِشْرُونَ سَنَةً، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْخِيَارِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا لَمْ تَحِضْ، فَإِنْ كَانَ سِنُّهَا دُونَ الْعِشْرِينَ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ عِشْرِينَ فَأَكْثَرَ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ وُجُودَهُ فِيهَا هُوَ الْغَالِبُ ز ي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute