- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ أَيْ الْحَيْضُ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ مِنْ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَكْثُرُ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَهَلْ يَحْرُمُ قَضَاؤُهَا، أَوْ يُكْرَهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ فَنَقَلَ فِيهَا عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيِّ عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ، أَنَّهُ يَحْرُمُ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - نَهَتْ السَّائِلَةَ عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ مَحَلُّهُ فِيمَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ. وَعَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالرُّويَانِيِّ وَالْعِجْلِيِّ، أَنَّهُ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَيُسَنُّ لَهُمَا الْقَضَاءُ انْتَهَى.
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَيْهَا بَعْدَ طُرُوقِ دَمِ الْحَيْضِ تَنَاوُلُ مُفْطِرٍ ع ش وَيَحْرُمُ الصَّوْمُ إجْمَاعًا وَلِخَبَرِ: «أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» . وَالْأَوْجَهُ أَنَّ عَدَمَ انْعِقَادِهِ مِنْهَا مَعْقُولُ الْمَعْنَى خِلَافًا لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ مُضْعِفٌ وَالصَّوْمُ مُضْعِفٌ أَيْضًا، فَلَوْ أُمِرَتْ بِالصَّوْمِ لَاجْتَمَعَ عَلَيْهَا مُضْعِفَانِ وَالشَّارِعُ نَاظِرٌ إلَى حِفْظِ الْأَبَدَانِ وَلَا تُثَابُ عَلَى التَّرْكِ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ إذَا تَرَكَ النَّوَافِلَ حَيْثُ يُثَابُ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْمَرِيضَ يَنْوِي أَنْ يَفْعَلَ إنْ كَانَ صَحِيحًا مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَائِضُ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: لَا تُثَابُ عَلَى التَّرْكِ أَيْ مَا لَمْ تَقْصِدْ امْتِثَالَ الشَّارِعِ، وَإِلَّا فَتُثَابُ اهـ اج. وَالْمُنَاسِبُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَرِيضِ أَنَّهَا لَا تُثَابُ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ لَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى عَزْمِهِ عَلَى فِعْلِ النَّوَافِلِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا، وَقَوْلُهُ: أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ وَهُوَ جَوَابُ سُؤَالِ مَنْ قَالَتْ حِينَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ» أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَمُشَاهَدٌ، وَأَمَّا نُقْصَانُ الدِّينِ فَبَيَّنَ وَجْهَهُ بِقَوْلِهِ: «أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ» إلَخْ. وَقَوْلُهُ: «نَاقِصَاتُ عَقْلٍ» الْمُرَادُ بِالْعَقْلِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ.
وَقِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْلِ تَحَمُّلُ الدِّيَةِ عَنْ الْجَانِي. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّحَمُّلَ مُنْتَفٍ أَصْلًا لَا أَنَّهُ مَوْجُودٌ وَنَاقِصٌ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ عَلَى الْعَقْلِ الْغَرِيزِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلْمَقَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامَ الذَّمِّ لِلنِّسَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَدِينٍ اُنْظُرْ وَجْهَ كَوْنِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي حَالِ الْحَيْضِ نَقْصًا مِنْ الدِّينِ مَعَ أَنَّ التَّرْكَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَتُثَابَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا آتِيَةٌ بِوَاجِبٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُنَّ نَاقِصَاتُ دِينٍ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا الزَّمَنَ لَا يَتَعَبَّدُونَ فِيهِ، فَأَطْلَقَ عَلَيْهِنَّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ قَضَاءُ صَوْمِ الْفَرْضِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ) وَتَسْمِيَتُهُ قَضَاءً مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لِفِعْلِهِ مُقْتَضٍ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِصُورَةِ فِعْلِهِ خَارِجَ الْوَقْتِ كَمَا قَالَهُ حَجّ. أَيْ فَلَا يَرِدَ أَنَّ الْقَضَاءَ مَا سَبَقَ لِفِعْلِهِ مُقْتَضٍ فِي الْوَقْتِ. وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَضَاءً حَقِيقَةً، وَاَلَّذِي فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ يُسَمَّى بِذَلِكَ حَقِيقَةً اهـ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْحَيْضُ) مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: (وَالنَّوَوِيِّ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ، فَكُلُّ مِنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيِّ نَقَلَ عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ م د قَوْلُهُ: وَالنَّوَوِيُّ أَيْ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْجَرِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ) هُوَ غَيْرُ الْمُفَسِّرِ؛ لِأَنَّهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَاسْمُ الْمُفَسِّرِ نَاصِرُ الدِّينِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الشَّيْخَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْضَاوِيِّ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِمَا م د.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَعَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَهِيَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ (وَالْعِجْلِيِّ) بِفَتْحَتَيْنِ نِسْبَةً إلَى عَمَلِ الْعَجَلِ الَّتِي تَجُرُّهَا الدَّوَابُّ، وَلَعَلَّ بَعْضَ أَجْدَادِهِ كَانَ يَعْمَلُهَا فَنُسِبَ إلَيْهِ، وَأَمَّا الْعِجْلِيُّ بِالْكَسْرِ وَالسُّكُونِ فَنَسَبُهُ إلَى عِجْلِ بْنِ وَائِلٍ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ مَكْرُوهٌ) مُعْتَمَدٌ وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ بِأَنَّ إسْقَاطَ الصَّلَاةِ عَنْهَا عَزِيمَةٌ وَعَنْهُمَا رُخْصَةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْعَزِيمَةِ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْحَائِضِ تَغَيُّرٌ مِنْ صُعُوبَةٍ، وَهُوَ وُجُوبُ الْفِعْلِ إلَى سُهُولَةٍ، وَهُوَ وُجُوبُ التَّرْكِ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِهِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَمِثْلُهَا النُّفَسَاءُ، فَكُلٌّ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ الَّذِي هُوَ عُذْرٌ فِي التَّرْكِ مَانِعٌ مِنْ الْفِعْلِ لِكَوْنِهَا مَأْمُورَةً بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِهِمَا
وَالْمُرَادُ بِالرُّخْصَةِ فِي حَقِّ