للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَيَقْرَأُ رُوِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى النَّهْيِ وَبِضَمِّهَا عَلَى الْخَبَرِ الْمُرَادِ بِهِ النَّهْيُ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَضَعَّفَهُ، لَكِنْ لَهُ مُتَابَعَاتٍ تُجْبِرُ ضَعْفَهُ

وَلِمَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ إجْرَاءُ الْقُرْآنِ عَلَى قَلْبِهِ وَنَظَرٌ فِي الْمُصْحَفِ، وَقِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَتَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَهَمْسُهُ بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وُجُوبًا فَقَطْ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ لَهُ قِرَاءَتُهَا كَغَيْرِهَا، أَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا، وَلَا أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ مُطْلَقًا، وَلَا أَنْ تُوطَأَ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا، وَأَمَّا فَاقِدُ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ فَيَجُوزُ لَهُ إذَا تَيَمَّمَ أَنْ يَقْرَأَ وَلَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. وَهَذَا فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْمُسْلِمِ. أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَمَّا تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ فَيَجُوزُ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ، وَإِلَّا فَلَا.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَيَقُولُ: سَوَاءٌ قَصَدَ مَعَ الْقِرَاءَةِ غَيْرَهَا أَمْ لَا. مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ.

قَوْلُهُ: (لَهُ مُتَابَعَاتٍ) أَيْ مُقَوَّيَاتٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَابَعَةِ وَالشَّاهِدِ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ هِيَ أَنْ يَجْتَمِعَ السَّنَدَانِ فِي وَاحِدٍ كَأَنْ يُقَالَ مَثَلًا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَحْمَدَ وَحَدَّثَنَا مَثَلًا عَنْ حَسَنٍ عَنْ أَحْمَدَ فَالسَّنَدَانِ اجْتَمَعَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَحْمَدُ فِي الْمِثَالِ، وَأَمَّا الشَّاهِدُ فَهُوَ تَعَدُّدُ الرِّوَايَةِ مَعَ عَدَمِ اجْتِمَاعِ السَّنَدَيْنِ كَأَنْ يُقَالَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ مَثَلًا عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ خَلِيلٍ مَثَلًا فَالرِّوَايَةُ تَعَدَّدَتْ مَعَ عَدَمِ اجْتِمَاعِ السَّنَدِ فِي وَاحِدٍ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَهُ مُتَابَعَاتٌ وَشَوَاهِدُ تُجْبِرُ ضَعْفَهُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إجْرَاءُ الْقُرْآنِ) هَذَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ: قِرَاءَةُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَنَظَرٌ فِي الْمُصْحَفِ. وَقَوْلُهُ: (وَقِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ) إلَخْ هَذَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ: " قُرْآنٍ ". وَقَوْلُهُ: (وَتَحْرِيكُ لِسَانِهِ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ بِاللَّفْظِ وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْخَمْسَةَ.

قَوْلُهُ: (وَهَمْسُهُ) أَيْ الْقِرَاءَةُ سِرًّا.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إنَّمَا تَحْصُلُ بِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى الذِّكْرِ إلَّا إنْ أَسْمَعَ نَفْسَهُ، وَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ أَجَرْت الْمُسْتَحَاضَةُ الْقُرْآنَ عَلَى قَلْبِهَا فَتُثَابُ عَلَى ذَلِكَ دُونَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مَعْذُورَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، لِدَوَامِ حَدَثِهَا.

قَوْلُهُ: (وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) أَيْ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الرُّكْنُ إلَّا كَذَلِكَ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ لَهُ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ يَعْدِلُ لِلذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ شَرْعًا شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.

قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهَا) أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ اتِّفَاقًا، لَكِنْ عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ هَلْ يُصَلِّي وَيَقِفُ سَاكِتًا بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ أَوْ يَقْرَأُ بِقَدْرِهَا مِنْ الذِّكْرِ، أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ يَعْدِلُ لِلذِّكْرِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ) بِنَصْبِ خَارِجٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَرْفًا فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَالْمَعْنَى أَمَّا فِي خَارِجِ الصَّلَاةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ظَرْفَ مَكَان؛ لِأَنَّ ظَرْفَ الْمَكَانِ لَا يَكُونُ إلَّا مُبْهَمًا وَمَا هُنَا مُعَيَّنٌ لَا مُبْهَمٌ، فَلِذَا قُلْنَا: إنَّهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ.

قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ لَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا دَاخِلَهَا، وَفِيهِ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَكَيْفَ هَذَا التَّعْمِيمُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ لِلدِّرَاسَةِ أَوْ غَيْرِهَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: مُطْلَقًا رَاجِعًا لِمَسِّ الْمُصْحَفِ فَقَطْ. وَانْظُرْ لَوْ لَمْ يَحْفَظْ الْفَاتِحَةَ وَاحْتَاجَ لِحَمْلِ الْمُصْحَفِ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَمْ لَا؟ الظَّاهِرُ الْجَوَازُ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا فَاقِدُ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ) وَكَذَا فِي السَّفَرِ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى فَفِيهِ التَّنْبِيهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى لَا التَّقْيِيدُ، وَقَوْلُهُ بِالْأَوْلَى رَاجِعٌ لِلسَّفَرِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ الْحَضَرَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ. فَرُبَّمَا يُقَالُ إنَّ الْمُتَيَمِّمَ الْمَذْكُورَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فَهُوَ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ فَمَا الْفَرْقُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا مُتَطَهِّرٌ دُونَ ذَاكَ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ تَحْرِيمُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْمُسْلِمِ وَيُمْنَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ أَيْضًا فَقَوْلُهُ: أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُمْنَعُ إلَخْ مُقَابِلٌ لِهَذَا الْمُقَدَّرِ، وَإِلَّا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْحُرْمَةُ حَاصِلَةً لَهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (أَمَّا الْكَافِرُ) أَيْ أَمَّا الشَّخْصُ الْكَافِرُ فَيَشْمَلُ الْكَافِرَةَ. وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ هُنَا وَتَقْيِيدِهِ فِيمَا بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ يُرْجَى إسْلَامُهُ أَوْ لَا. وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي تَقْيِيدَهُ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (فَلَا يُمْنَعُ) أَيْ لَا تَتَعَرَّضْ لَهُ إذَا قَرَأَ، وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ؛ إذْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ، وَلَوْ مُعَانِدًا لَا يُرْجَى إسْلَامُهُ بِدَلِيلِ إطْلَاقِهِ وَتَقْيِيدِهِ مَا بَعْدَهُ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ، لَكِنْ قَيَّدَ سم عَدَمَ الْمَنْعِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُعَانِدًا وَيُرْجَى إسْلَامُهُ اهـ اج.

<<  <  ج: ص:  >  >>