أَيْ بَعُدَ، وَالْمُرَادُ تَكَامُلُ الْغُرُوبِ وَيُعْرَفُ فِي الْعُمْرَانِ بِزَوَالِ الشُّعَاعِ عَنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ وَإِقْبَالِ الظَّلَّامِ مِنْ الْمَشْرِقِ. (وَ) يَمْتَدُّ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ (بِمِقْدَارِ مَا يُؤَذِّنُ) لِوَقْتِهَا (وَيَتَوَضَّأَ وَيَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ) وَبِمِقْدَارِ خَمْسِ رَكَعَاتٍ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَرُدَّ بِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا بَيَّنَ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ، وَأَمَّا الْوَقْتُ الْجَائِزُ وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لَهُ، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى قَدْرَ هَذِهِ الْأُمُورِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَمْسِ الْمَغْرِبُ وَسُنَّتُهَا الْبَعْدِيَّةُ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ سَبْعَ رَكَعَاتٍ فَزَادَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ رَكْعَتَانِ قَبْلَهَا، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَالِاعْتِبَارُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ كَذَا أَطْلَقَهُ الرَّاهِنُ وَقَالَ الْقَفَّالُ: يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ الْوَسَطُ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ، وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا قَدْرُ أَكْلِ لُقَمٍ يَكْسِرُ بِهَا حِدَةَ الْجُوعِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ.
لَكِنْ صَوَّبَ فِي التَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِ اعْتِبَارَ الشِّبَعِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَلَا تَعْجَلُوا عَلَى عِشَائِكُمْ» . وَحُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى الشِّبَعِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَ لُقَيْمَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، وَالْعَشَاءُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا أَيْضًا. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَتَحْسَبُونَهُ عَشَاءَكُمْ الْخَبِيثَ إنَّمَا كَانَ أَكْلُهُمْ لُقَيْمَاتٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالطُّهْرِ بَدَلَ الْوُضُوءِ لِيَشْمَلَ الْغُسْلَ وَالتَّيَمُّمَ وَإِزَالَةَ الْخَبَثِ لَكَانَ أَوْلَى وَعَبَّرَ جَمَاعَةٌ بِلُبْسِ الثِّيَابِ بَدَلَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِتَنَاوُلِهِ التَّعَمُّمَ وَالتَّقَمُّصَ وَالِارْتِدَاءَ وَنَحْوَهَا، فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلصَّلَاةِ وَيَمْتَدُّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (لِفِعْلِهَا عَقِبَ الْغُرُوبِ) هَذَا تَوْجِيهٌ لِلتَّسْمِيَةِ. قَوْلُهُ: (بِزَوَالِ الشُّعَاعِ) هَذَا فِيمَا فِيهِ جِبَالٌ أَوْ فِيهِ بِنَاءٌ فَعَلَامَتُهُ زَوَالُ الشُّعَاعِ مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ وَأَعَالِي الْحِيطَانِ، وَأَمَّا الصَّحَارِي فَيَكْفِي فِيهَا تَكَامُلُ سُقُوطِ الْقُرْصِ وَإِنْ بَقِيَ الشُّعَاعُ.
قَوْلُهُ: (وَيَمْتَدُّ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ إلَخْ) . لَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى الْجَدِيدِ امْتِنَاعُ جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَيْ تَقْدِيمِ الْعِشَاءِ مَعَهَا، إذْ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ وُقُوعُ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ الْمَتْبُوعَةِ وَقَدْ حَضَرَ وَقْتُهَا فِيمَا ذَكَرَ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِعَدَمِ لُزُومِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَسَعُ الصَّلَاتَيْنِ، لَا سِيَّمَا فِي حَالَةِ تَقَدُّمِ الشَّرَائِطِ عَلَى الْوَقْتِ وَاسْتِجْمَاعِهَا، فَإِنْ فُرِضَ ضِيقُهُ عَنْهُمَا لِاشْتِغَالِهِ بِالْأَسْبَابِ امْتَنَعَ الْجَمْعُ. اهـ. م ر مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بِمِقْدَارِ مَا يُؤَذِّنُ) لَوْ قَالَ بِمِقْدَارِ الْأَذَانِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْأُنْثَى كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ. قُلْت: لَا أَوْلَوِيَّةَ إذْ قِرَاءَةُ الْمَتْنِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ تُفِيدُ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يُنَاسِبُ قَوْلُهُ بَعْدُ وَيُقِيمُ إذْ الْمُنَاسِبُ لَهُ أَنْ يُقَالَ وَيُقَامُ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُسَمَّى بِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَغْرِبِ خَاصَّةً لِاتِّحَادِهِمَا كَمَا مَرَّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ جِبْرِيلَ وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لَا يَصِحُّ فِيهَا ق ل. وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ) أَيْ بَيْنَ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ.
قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي خَبَرِ جِبْرِيلَ.
قَوْلُهُ: (بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ) أَيْ بِغَالِبِ النَّاسِ وَهُوَ الرَّاجِحُ ق ل. قَوْلُهُ: (كَذَا أَطْلَقَهُ الرَّافِعِيُّ) أَيْ كَالْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ فِي اعْتِبَارِ فِعْلِ نَفْسِهِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ اخْتِلَافِ وَقْتِهِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ. اهـ. م ر اهـ مَرْحُومِيٌّ. إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ خُرُوجُ الْوَقْتِ فِي حَقِّ شَخْصٍ دُونَ آخَرَ وَهَذَا غَيْرُ مَعْهُودٍ.
قَوْلُهُ (وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيَّ وَقَدْ تَعَجَّبَ مِنْهُ الزَّرْكَشِيّ بِأَنَّهُ وَجْهٌ آخَرَ مُغَايِرٌ لَهُ فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ. وَلَمْ يَرْتَضِ هَذَا الْحَمْلَ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَرَدَّ كَلَامَ الْقَفَّالِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَعْجَلُوا عَلَى عِشَائِكُمْ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا أَيْ بِأَنْ تُقَدِّمُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ أَوْ الْمَعْنَى: لَا تَسْتَعْجِلُوا فِي عَشَائِكُمْ بَلْ اشْبَعُوا الشِّبَعَ الشَّرْعِيَّ، وَهَذَا أَقْرَبُ بِسِيَاقِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الشِّبَعُ الشَّرْعِيُّ اهـ م د. فَالتَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ عَلَى كَسْرِهَا وَالتَّفْسِيرُ الثَّانِي عَلَى فَتْحِهَا. قَوْلُهُ: (وَإِزَالَةُ الْخَبَثِ) أَيْ مِنْ بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ وَمَكَانِهِ وَالْمُعْتَبَرُ مَا تَتَّفِقُ إصَابَتُهُ مِنْ النَّجَسِ غَالِبًا، وَإِلَّا وَرَدَ أَنَّ النَّجَسَ الْمُغَلَّظَ قَدْ لَا يَزُولُ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ إلَّا بِحَتٍّ وَقَرْصٍ وَاسْتِعَانَةٍ بِنَحْوِ أُشْنَانٍ، وَرُبَّمَا يَسْتَغْرِقُ ذَلِكَ وَقْتَ الْمَغْرِبِ عَلَى الْقَدِيمِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ.
قَوْلُهُ: (لِتَنَاوُلِهِ التَّعَمُّمَ) ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّيَابِ الْمَلْبُوسُ فَيَشْمَلُ مَا ذَكَرَ.
قَوْلُهُ: (عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ) أَيْ بِالْقَدِيمِ.
قَوْلُهُ: