النَّوْمِ بِالتَّكَلُّفِ وَاصْطِلَاحًا صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ النَّوْمِ، وَيُسَنُّ لِلْمُتَهَجِّدِ الْقَيْلُولَةُ، وَهِيَ النَّوْمُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السَّحُورِ لِلصَّائِمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اسْتَعِينُوا بِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَّ الْمُتَهَجِّدَ يَشْفَعُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَرُوِيَ أَنْ الْجُنَيْدَ رُئِيَ فِي النَّوْمِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ فَقَالَ: طَاحَتْ تِلْكَ الْإِشَارَاتُ، وَغَابَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ، وَفَنِيَتْ تِلْكَ الْعُلُومُ وَنَفِدَتْ تِلْكَ الرُّسُومُ، وَمَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَالنَّوَافِلُ الْمُؤَكَّدَةُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَثَلَاثُ نَوَافِلِ مُؤَكَّدَاتٍ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الرَّوَاتِبِ) أَيْ غَيْرِ الرَّوَاتِبِ.
قَوْلُهُ: (صَلَاةُ اللَّيْلِ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي أَيْ صَلَاةٌ فِي اللَّيْلِ.
قَوْلُهُ: (لَكَانَ أَوْلَى) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ صَلَاةً اللَّيْلِ شَامِلَةٌ لِلتَّهَجُّدِ وَغَيْرِهِ مَعَ أَنْ الْمُؤَكَّدَ إنَّمَا هُوَ التَّهَجُّدُ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (وَلِقَوْلِهِ إلَخْ) لَا يَظْهَرُ دَلِيلًا عَلَى التَّأَكُّدِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الطَّلَبِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} [الإسراء: ٧٩] قَالَ بَعْضُهُمْ: الْبَاءُ لِلظَّرْفِيَّةِ أَيْ فَتَهَجَّدْ فِيهِ، وَفِي التَّفْسِيرِ فَتَهَجَّدْ أَيْ صَلِّ بِهِ أَيْ بِالْقُرْآنِ أَيْ اقْرَأْهُ فِي صَلَاتِك فَرِيضَةً نَافِلَةً لَك أَيْ: زَائِدَةً عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَا فِي الْجَلَالِ، فَنَافِلَةً صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ وَاقِعٌ مَفْعُولًا لَتَهَجَّدَ، وَهُوَ فَرِيضَةٌ؛ لِأَنَّ التَّهَجُّدَ كَانَ وَاجِبًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ: وَاخْتُصَّ بِوُجُوبِ التَّهَجُّدِ أَيْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَإِنْ قُلْت؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِقِيَامِ أَكْثَرِ اللَّيْلِ بِقَوْلِهِ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: ٢] وَلِخَبَرِ الطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ: «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ سُنَّةٌ الْوِتْرُ وَالسِّوَاكُ وَقِيَامُ اللَّيْلِ» هَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ، ثُمَّ قَالَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّ عَلَى أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ كَانَ وَاجِبًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ، ثُمَّ نُسِخَ عَنْهُ بِمَا فِي آخِرِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ وَعَنْ أُمَّتِهِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ. وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْرِي فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ هَذَا، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: ٧٩] أَيْ عِبَادَةً زَائِدَةً عَلَى فَرَائِضِك؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَفِي مَعْنَاهُ زِيَادَةٌ خَالِصَةٌ لَك؛ لِأَنَّ تَطَوُّعَ غَيْرِهِ يُكَفِّرُ ذَنْبَهُ وَتَطَوُّعَهُ خَالِصٌ لَهُ لِكَوْنِهِ لَا ذَنْبَ لَهُ، فَجَمِيعُ تَطَوُّعِهِ لِمَحْضِ زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ وَالْقُرْبِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ» فَتَعْلِيمٌ لِأُمَّتِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: {كَانُوا قَلِيلا} [الذاريات: ١٧] أَيْ فِي زَمَنٍ قَلِيلٍ وَمَا زَائِدَةٌ، وَيَهْجَعُونَ: يَنَامُونَ وَهُوَ خَبَرُ كَانَ أَيْ كَانُوا يَنَامُونَ فِي زَمَنٍ قَلِيلٍ مِنْ اللَّيْلِ أَيْ وَيُصَلُّونَ أَكْثَرَهُ كَمَا فِي الْجَلَالِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ لُغَةً رَفْعُ النَّوْمِ) أَيْ إزَالَتُهُ. وَقَوْلُهُ: بِالتَّكَلُّفِ أَيْ بِالْمَشَقَّةِ.
قَوْلُهُ: (صَلَاةُ التَّطَوُّعِ) هَذَا بَيَانُ أَصْلِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ يَحْصُلُ بِفَرْضٍ وَلَوْ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا وَنَفْلٍ مُؤَقَّتٍ كَذَلِكَ وَلَوْ سُنَّةَ الْعِشَاءِ أَوْ الْوِتْرِ، حَيْثُ كَانَ بَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ وَبَعْدَ نَوْمٍ، وَلَوْ كَانَ النَّوْمُ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ فَالتَّطَوُّعُ لَيْسَ بِقَيْدٍ ق ل. وَيَتَلَخَّصُ أَنَّ بَيْنَ الْوِتْرِ وَالتَّهَجُّدِ عُمُومًا وَخُصُوصًا وَجْهَيْنِ: يَجْتَمِعَانِ فِيمَا لَوْ فَعَلَ الْوِتْرَ بَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ وَالنَّوْمِ، وَيَنْفَرِدُ الْوِتْرُ فِيمَا لَوْ فَعَلَهُ قَبْلَ النَّوْمِ وَيَنْفَرِدُ التَّهَجُّدُ فِيمَا لَوْ صَلَّى نَفْلًا غَيْرَ الْوِتْرِ بَعْدَ نَوْمٍ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (بِمَنْزِلَةِ السَّحُورِ) أَيْ فَكَمَا أَنَّ السَّحُورَ يُقَوِّي عَلَى الصَّوْمِ كَذَلِكَ نَوْمُ الْقَيْلُولَةِ يُعِينُ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ. قَوْلُهُ (اسْتَعِينُوا بِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ) تَتِمَّتُهُ: «وَبِالسَّحُورِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ عَلَى بَرْدِ الشِّتَاءِ» اهـ. وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا عَبْدِي جَعَلْتُ النَّهَارَ لِمَعَاشِك وَجَعَلْتُ اللَّيْلَ لِلسَّمَرِ مَعِي فَاشْتَغَلْتَ عَنِّي بِالنَّهَارِ وَنِمْتَ عَنِّي بِاللَّيْلِ فَمَاذَا حَصَّلْتَ» اهـ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ الْجُنَيْدَ) هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ شَيْخُ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ وَالطَّرِيقَةِ، وَكَانَ شَيْخُهُ وَأُسْتَاذُهُ فِيهَا خَالَهُ السَّرِيَّ السَّقَطِيَّ. تُوُفِّيَ الْجُنَيْدُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَتُوُفِّيَ خَالُهُ السَّرِيُّ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَالسَّرِيُّ لُغَةُ الْخِيَارِ وَكَانَ السَّرِيُّ تِلْمِيذًا لِمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ نَفَّعْنَا اللَّهُ بِهِمْ أَجْمَعِينَ.
قَوْلُهُ: (طَاحَتْ إلَخْ) طَاحَتْ وَغَابَتْ وَفَنِيَتْ وَنَفِدَتْ الْمُرَادُ