للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَمْرُورِ عَلَيْهِ، وَإِمَّا لِإِهْمَالِهِ الْمَارَّ أَوْ السَّلَامَ، وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَلِّمَ وَلَا يَتْرُكَهُ لِهَذَا الظَّنِّ، فَإِنَّ السَّلَامَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَاَلَّذِي أُمِرَ بِهِ الْمَارُّ أَنْ يُسَلِّمَ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يُحَصِّلَ الرَّدَّ مَعَ أَنَّ الْمَمْرُورَ عَلَيْهِ قَدْ يُخْطِئُ الظَّنَّ فِيهِ وَيَرُدُّ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ إنَّ سَلَامَ الْمَارِّ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْإِثْمِ فِي حَقِّ الْمَمْرُورِ عَلَيْهِ فَهُوَ جَهَالَةٌ ظَاهِرَةٌ وَغَبَاوَةٌ بَيِّنَةٌ، فَإِنَّ الْمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهَا بِمِثْلِ هَذِهِ الْخَبَالَاتِ، وَلَوْ نَظَرْنَا إلَى هَذَا الْخَبَالِ الْفَاسِدِ لَتَرَكْنَا إنْكَارَ الْمُنْكَرِ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ جَاهِلًا كَوْنَهُ مُنْكَرًا أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ بِقَوْلِنَا، فَإِنَّ إنْكَارَنَا عَلَيْهِ وَتَعْرِيفَنَا لَهُ قُبْحَهُ يَكُونُ سَبَبًا لِإِثْمِهِ إذَا لَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّا لَا نَتْرُكُ الْإِنْكَارَ بِمِثْلِ هَذَا وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ وَمَعْرُوفَةٌ. وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ وَأَسْمَعَهُ سَلَامَهُ وَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِشُرُوطِهِ فَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُحَلِّلَهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ: أَبْرَأْتُهُ مِنْ حَقِّي فِي رَدِّ السَّلَامِ أَوْ جَعَلْته فِي حِلٍّ مِنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَيَتَلَفَّظُ بِهَذَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ هَذَا الْآدَمِيِّ. وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعِبَارَةٍ لَطِيفَةٍ: رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ، فَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ لِيَسْقُطَ عَنْك الْفَرْضُ. وَقَدْ أَطَالَ النَّوَوِيُّ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأَذْكَارِ بِمَا يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي لَا يَجِبُ رَدُّ السَّلَامِ فِيهَا عِشْرُونَ كَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ نَظْمًا حَيْثُ قَالَ:

رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ ... إلَّا عَلَى مَنْ فِي صَلَاةٍ أَوْ بِأَكْلٍ شُغِلَا

أَوْ فِي قِرَاءَةٍ كَذَاك الْأَدْعِيَهْ ... أَوْ ذِكْرٍ أَوْ فِي خُطْبَةٍ أَوْ تَلْبِيَهْ

أَوْ فِي قَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ ... أَوْ فِي إقَامَةٍ أَوْ الْأَذَانِ

أَوْ حَاجِمٍ أَوْ نَاعِسٍ أَوْ نَائِمٍ ... وَحَالَةِ الْجِمَاعِ وَالتَّحَاكُمِ

أَوْ سَلَّمَ الطِّفْلُ أَوْ السَّكْرَانُ ... أَوْ شَابَّةٌ يُخْشَى بِهَا افْتِتَانُ

أَوْ كَانَ فِي الْحَمَّامِ أَوْ مَجْنُونًا ... فَهَذِهِ مَجْمُوعُهَا عِشْرُونَا

فَائِدَةٌ: الْأَذْكَارُ الْمَطْلُوبَةُ عَقِبَ الصَّلَاةِ قَبْل التَّكَلُّمِ هَلْ يُسَنُّ لَهَا السَّلَامُ وَيَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِهَا أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالثَّانِي غَيْرُ بَعِيدٍ إذْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الرَّدُّ مَشَقَّةً شَدِيدَةً لِتَفْوِيتِهِ الثَّوَابَ الْمُرَتَّبَ عَلَيْهَا، وَاحْتِمَالُ أَنْ لَا يَفُوتَ لِعُذْرِهِ بِالرَّدِّ يُعَارِضُهُ الِاحْتِيَاطُ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ الثَّوَابِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْذُورًا بِالرَّدِّ فِي الْوَاقِعِ. اهـ. سم عَلَى حَجّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَتُسَنُّ الْمُصَافَحَةُ عِنْدَ التَّلَاقِي سَوَاءٌ فِيهِ الْحَاضِرُ وَالْقَادِمُ مِنْ سَفَرٍ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي فَضْلِهَا وَالْحَثِّ عَلَيْهَا، وَأَمَّا مَا اعْتَادَهُ النَّاس مِنْ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، فَلَا أَصْلَ لِتَخْصِيصِهِ، لَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْيَنَابِيعِ. وَذَكَرَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ فِي كِتَابِ التَّحِيَّاتِ: أَنَّ سَلَامَ الْيَهُودِ كَانَ بِالْأَكُفِّ وَالْأَصَابِعِ وَالْأَكَاسِرَةِ بِالسُّجُودِ لِلْمَلَكِ وَتَقْبِيلِ الْأَرْضِ، وَالْفُرْسِ طَرْحُ الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ أَمَامَ الْمَلِكِ، وَالْحَبَشَةِ عَقْدُ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّدْرِ مَعَ السَّكِينَةِ، وَالرُّومِ بِكَشْفِ الرَّأْسِ وَتَنْكِيسِهَا وَالنُّوبَةِ الْإِيمَاءُ بِفَمِهِ مَعَ جَعْلِ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَحِمْيَرَ بِالْإِيمَاءِ بِالدُّعَاءِ بِالْأَصَابِعِ، وَتَحِيَّةُ مَلِكِ الْيَمَامَةِ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى كَتِفِ الْمُحَيَّا فَإِنْ بَالَغَ رَفْعَهَا وَوَضَعَهَا مِرَارًا، وَتَحِيَّةُ الْعَرَبِ بِالسَّلَامِ وَهُوَ أَفْضَلُ التَّحِيَّاتِ وَهُوَ تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ بَيْنَهُمْ، وَتَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ قَالَ تَعَالَى: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [يونس: ١٠] أَيْ يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إذَا قُلْت: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَوْ سَلَّمْت عَلَى أَحَدٍ فِي الطَّرِيقِ فَقُلْت: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَأَحْضِرْ فِي قَلْبِك كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ لِلَّهِ مِنْ عِبَادِهِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَمَيِّتٍ وَحَيٍّ، فَإِنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَقَامِ يَرُدُّ عَلَيْك فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ يَبْلُغُهُ سَلَامُك إلَّا وَيَرُدُّ عَلَيْك

<<  <  ج: ص:  >  >>