كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ.
وَمِنْ الْآثَارِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كَفَى بِالْعِلْمِ شَرَفًا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ وَيَفْرَحَ بِهِ إذَا نُسِبَ إلَيْهِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَيَشْمَلُ دُعَاءَ الْوَلَدِ بِنَفْسِهِ وَدُعَاءَ غَيْرِهِ لِأَجْلِ الْوَلَدِ كَأَنْ رَآهُ شَخْصٌ فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَبِيك، وَلِلشَّيْخِ ابْنِ عَلَّانَ الْبَكْرِيِّ:
خِصَالٌ عَلَيْهَا الْمَرْءُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ... يُثَابُ فَلَازِمْهَا إذَا كُنْت ذَا ذِكْرِ
رِبَاطٌ بِثَغْرٍ ثُمَّ تَوْرِيثُ مُصْحَفٍ ... وَنَشْرٌ لِعِلْمٍ غَرْسُ نَخْلٍ بِلَا نُكْرِ
وَحَفْرٌ لِبِئْرٍ ثُمَّ إجْرَاءُ نَهْرٍ مَا ... وَبَيْتُ غَرِيبٍ وَالتَّصَدُّقُ إذْ يَجْرِي
وَتَعْلِيمُ قُرْآنٍ وَتَشْيِيدُ مَنْزِلٍ ... لِذِكْرِ وَنَجْلُ مُسْلِمٍ طَيِّبُ الذِّكْرِ
وَقَوْلُهُ: وَتَعْلِيمُ قُرْآنٍ أَيْ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر، وَفِيهِ أَيْضًا وَغَرْسُ شَجَرٍ أَيْ وَإِنْ لَمْ تُثْمِرْ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ) مِنْهَا: «مَنْ خَرَجَ لِطَلَبِ عِلْمٍ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فَإِنْ مَاتَ مَاتَ شَهِيدًا وَإِنْ عَادَ عَادَ بِأَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُعَلِّمُ الْخَيْرِ إذَا مَاتَ يَبْكِي عَلَيْهِ طَيْرُ السَّمَاءِ وَدَوَابُّ الْأَرْضِ» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى عُتَقَاءِ اللَّهِ مِنْ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إلَى الْمُتَعَلِّمِينَ، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ مُتَعَلِّمٍ يَسْعَى إلَى بَابِ الْعَالِمِ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ عِبَادَةَ سَنَةٍ، وَبَنَى لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ مَدِينَةً فِي الْجَنَّةِ، وَيَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَالْأَرْضُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ وَيُمْسِي وَيُصْبِحُ مَغْفُورًا لَهُ وَتَشْهَدُ الْمَلَائِكَةُ لَهُ بِأَنَّهُ مِنْ عُتَقَاءِ اللَّهِ مِنْ النَّارِ» وَفِي الْحَدِيثِ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي اللُّجَّةِ» . قَالَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الَأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ: فَإِنْ قُلْت: جُعِلَ هَذَا غَايَةً فِي الْخِسَّةِ أَيْ خِسَّةِ الْمُسْتَغْفِرِينَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ثَمَّ مَا هُوَ أَخَسُّ مِنْ الْحِيتَانِ كَالذَّرِّ، فَلِمَ خَصَّ الْحُوتَ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ أَخَسُّ مِنْهُ؟ قُلْت: خَصَّهُ لِكَوْنِهِ لَا لِسَانَ لَهُ وَمَا لَا لِسَانَ لَهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ اسْتِغْفَارِهِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَغُرَ لَهُ لِسَانٌ اهـ. قَالَ فِي تُحْفَةِ الْمَسَائِلِ: فَإِنْ قُلْت مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ مَخْلُوقٍ بِلِسَانٍ بَعْضُهَا نَاطِقٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ نَاطِقٍ وَلَيْسَ لِلسَّمَكِ لِسَانٌ أَصْلًا؟ . فَالْجَوَابُ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لَهُ فَسَجَدُوا كُلُّهُمْ إلَّا إبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَمَسَخَهُ فَأُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ، فَجَاءَ إلَى الْبِحَارِ، فَأَوَّلُ مَا رَآهُ السَّمَكُ فَأَخْبَرَهُمْ بِخَلْقِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَالَ: إنَّهُ يَصْطَادُ وَيَأْخُذُ دَوَابَّ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَجَعَلَتْ السَّمَكُ تُخْبِرُ خَلْقَ الْبَحْرِ بِخَلْقِ آدَمَ وَتَقُولُ لَا أَمَانَ لَنَا بَعْدَ هَذَا فِي هَذَا الْمَاءِ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِسَانَهَا لِكَوْنِهَا تَفَوَّهَتْ بِالْكَلَامِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْآثَارِ) عِبَارَةُ ابْنِ جَمَاعَةَ عَلَى غَرَامِي صَحِيحٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَأَمْرِي مَوْقُوفٌ عَلَيْك إلَخْ.
تَنْبِيهٌ: الْأَثَرُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْوِيِّ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ الصَّحَابِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَدِّثُونَ وَغَيْرُهُمْ وَاصْطَلَحَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَجَمَاهِيرُ الْخَلَفِ وَقَالَ الْفُقَهَاءُ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْأَثَرُ مَا يُضَافُ إلَى الصَّحَابِيِّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (كَفَى بِالْعِلْمِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ فِي الْمَفْعُولِ. وَقَوْلُهُ: (أَنْ يَدَّعِيَهُ) فَاعِلٌ أَيْ كَفَى الْعِلْمُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute