للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَارِعٍ نَجَسٍ يَقِينًا لِعُسْرِ تَجَنُّبِهِ، وَيَخْتَلِفُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ وَقْتًا وَمَحَلًّا مِنْ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ، وَعَنْ دَمِ نَحْوِ بَرَاغِيثَ وَدَمَامِيلَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

تَعَلَّقَ الْمُسْتَجْمَرُ بِالْمُصَلِّي أَوْ الْمُصَلِّي بِالْمُسْتَجْمَرِ، فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فِيهِمَا اتِّصَالُ الْمُصَلِّي بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ إذَا أَمْسَكَ مُصَلِّيًا مُسْتَجْمِرًا بُطْلَانُ صَلَاةِ الْمُسْتَجْمِرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ بَدَنِهِ مُتَّصِلٌ بِيَدِ الْمُسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، وَيَدُهُ مُتَّصِلَةٌ بِيَدِ الْمُصَلِّي الْمُسْتَجْمِرِ بِالْحَجَرِ، فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمُتَّصِلٍ بِنَجَسٍ وَهُوَ نَفْسُهُ لَا ضَرُورَةَ لِاتِّصَالِهِ بِهِ. لَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ ثَوْبَ نَفْسِهِ بَطَلَتْ صَلَاته؛ لِأَنَّا نَقُولُ: اتِّصَالُ الثِّيَابِ بِهِ ضَرُورِيٌّ وَمِثْلُهَا السَّجَّادَةُ وَنَحْوُهَا لِتَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ الثِّيَابِ قَالَهُ الْإِطْفِيحِيُّ نَقْلًا عَنْ ع ش. قَالَ الرَّشِيدِيُّ: هُوَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، إذْ هُوَ مُغَالَطَةٌ إذْ لَا خَفَاءَ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الطَّاهِرِ الْمُتَّصِلِ بِالْمُصَلِّي مُتَّصِلًا بِنَجَسٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَلِّي، وَهُنَا النَّجَسُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُمْسِكِ الَّذِي هُوَ مَنْشَأُ التَّوَهُّمِ. وَفِي حَجّ: وَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً مَثَلًا بِبَدَنِهِ أَوْ انْغَرَزَتْ فَغَابَتْ أَوْ وَصَلَتْ لِدَمٍ قَلِيلٍ لَمْ يَضُرَّ أَوْ لِدَمٍ كَثِيرٍ أَوْ لِجَوْفٍ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ لِاتِّصَالِهَا بِنَجَسٍ اهـ. قَالَ سم: عَلَيْهِ وَمَحَلُّ عَدَمِ الصِّحَّةِ حَيْثُ كَانَ طَرَفُهَا بَائِنًا ظَاهِرًا اهـ. أَقُولُ: وَمَا قَيَّدَ بِهِ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فَغَابَتْ. وَقَوْلُهُ: لَمْ تَصِحَّ إلَخْ. يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْ نَزْعِهَا ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَأَنْ مَحَلَّهُ أَيْضًا إذَا غَرَزَهَا لِغَرَضٍ، أَمَّا إذَا غَرَزَهَا عَبَثًا فَتَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ عَمْدًا، وَهُوَ يَضُرُّ قَالَ ع ش عَلَى م ر، وَلَوْ وَقَّعَ الطَّائِرُ الَّذِي عَلَى مَنْفَذِهِ نَجَاسَةً فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ لَمْ يُنَجَّسْ عَلَى الْأَصَحِّ لِعُسْرِ صَوْنِهِ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَجْمَرِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ شَرْحَ م ر. قَالَ حَجّ: مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فُتُورٌ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ وَيَجِبُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ.

قَوْلُهُ: (نَجَسٌ يَقِينًا) أَيْ وَلَيْسَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ مُتَمَيِّزَةً وَمَاءُ الشَّارِعِ مِثْلُ طِينِهِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ أَيْ: إذَا وَصَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ الشَّارِعِ بِنَفْسِهِ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ تَلَطَّخَ كَلْبٌ بِطِينِ الشَّارِعِ وَانْتَفَضَ عَلَى إنْسَانٍ، وَمَا لَوْ رَشَّ السَّقَّاءُ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةَ أَوْ رَشَّهُ عَلَى ظَهْرِ كَلْبٍ فَطَارَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى شَخْصٍ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِالْعَفْوِ فِيمَا ذُكِرَ لَاقْتَضَى أَنَّهُ لَوْ وَصَلَ إلَيْهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَضُرَّ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالشَّارِعِ مَحَلُّ الْمُرُورِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَارِعًا كَالْمَحَلَّاتِ الَّتِي عَمَّتْ الْبَلْوَى بِاخْتِلَاطِهَا بِالنَّجَاسَةِ كَدِهْلِيزِ الْحَمَّامِ وَمَا حَوْلَ الْفَسَاقِيِ مِمَّا لَا يُعْتَادُ تَطْهِيرُهُ إذَا تَنَجَّسَ، أَمَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ وَتَطْهِيرِهِ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ بَلْ مَتَى تَيَقَّنَ نَجَاسَتَهُ وَجَبَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَمِنْهُ مَمْشَاةُ الْفَسَاقِي فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَلَا يُغْتَرُّ بِمُخَالِفَتِهِ وَضَابِطُ الْعَفْوِ فِيهِ أَنْ لَا يُنْسَبَ إلَى سَقْطَةٍ أَوْ كَبْوَةٍ أَوْ قِلَّةِ تَحَفُّظٍ اهـ ق ل. وَشَمِلَ النَّجَاسَةَ الْمُغَلَّظَةَ خُصُوصًا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا الْكِلَابُ، وَخَرَجَ بِالطِّينِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ إذَا تَفَتَّتَ فِي الطَّرِيقِ، فَلَا يُعْفَى عَنْهَا مَا لَمْ تَعُمُّهَا عَلَى مَا مَالَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ، وَإِذَا مَشَى فِي الشَّارِعِ الَّذِي بِهِ طِينٌ مُتَيَقَّنُ النَّجَاسَةِ وَأَصَابَهُ وَمَشَى فِي مَكَان آخَرَ وَتَلَوُّثَ مِنْهُ عُفِيَ عَنْهُ فِي الْمَكَانِ الثَّانِي إذَا كَانَ غَيْرَ مَسْجِدٍ، وَإِلَّا فَلَا يُعْفَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُصَانُ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَيُمْتَنَعُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ بِهَا وَيُعْفَى فِي حَقِّ الْأَعْمَى مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي حَقِّ الْبَصِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَيَخْتَلِفُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ وَقْتًا إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ تَلَوُّثَ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ وَاسْتَمَرَّ إلَى الصَّيْفِ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ نَظَرًا إلَى الزَّمَنِ الْوَاقِعِ فِيهِ أَوْ لَا نَظَرًا إلَى زَوَالِ الْمَشَقَّةِ حِينَئِذٍ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالزَّمَنِ اهـ بَابِلِيٌّ أَمَّا إذَا بَقِيَ إلَى الشِّتَاءِ الثَّانِي فَيُعْفَى عَنْهُ نَظَرًا لِلزَّمَنِ طُوخِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ دَمِ نَحْوِ بَرَاغِيثَ) جَمْعُ بُرْغُوثٍ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحُ قَلِيلٌ، وَيُقَالُ لَهُ طَامِرُ بْنُ طَامِرٍ. رَوَى أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَسُبُّ بُرْغُوثًا فَقَالَ: لَا تَسُبُّهُ فَإِنَّهُ أَيْقَظَ نَبِيًّا لِصَلَاةِ الْفَجْرِ» . وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ رَشَحَاتٌ تَمُصُّهَا مِنْ الْإِنْسَانِ ثُمَّ تَمُجُّهَا وَلَيْسَ لَهَا دَمٌ فِي نَفْسِهَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. فَالْإِضَافَةُ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ لِلْمُلَابَسَةِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَعَنْ دَمِ نَحْوِ بَرَاغِيثَ أَيْ يُعْفَى عَنْهَا فِي مَلْبُوسِهِ وَلَوْ مَعَ رُطُوبَةِ بَدَنِهِ مِنْ عَرَقٍ وَنَحْوَ مَاءِ وُضُوءٍ، أَوْ غُسْلٍ مَطْلُوبٍ، أَوْ مَا تَسَاقَطَ مِنْ الْمَاءِ حَالَ شُرْبِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>