بِذَلِكَ فِي أَشْرَفِ الْمَوَاطِنِ كَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: ١] {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا} [الإسراء: ١] قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ: لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ صِفَةٌ أَتَمُّ وَلَا أَشْرَفُ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: لَا تَدْعُنِي إلَّا بِيَا عَبْدَهَا أَشْطَرُ فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِي. وَقَوْلُهُ: (لَطِيفٌ) مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِالْإِجْمَاعِ، وَاللُّطْفُ الرَّأْفَةُ وَالرِّفْقُ وَهُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
وَالْعِصْمَةُ بِأَنْ يَخْلُقَ قُدْرَةَ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ السُّهَيْلِيُّ: لَمَّا جَاءَ الْبَشِيرُ إلَى يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَاهُ فِي الْبِشَارَةِ كَلِمَاتٍ كَانَ يَرْوِيهَا عَنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
خَبَرِ إنَّ السَّابِقَةِ.
قَوْلُهُ: (الْإِنْسَانُ) خَرَجَ الْمَلَكُ وَالْجِنُّ فَلَا يُقَالُ لَهُمَا عِبَادٌ عَلَى هَذَا م د لَكِنْ إنْ أُرِيدَ الْإِنْسَانُ مِنْ نَاسٍ بِمَعْنَى تَحَرَّكَ دَخَلَا وَهُوَ الْمُرَادُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣] وَإِطْلَاقُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْمَلَكِ لَمْ يَرِدْ فِي اللُّغَةِ فَالْأَوْلَى عَدَمُ تَفْسِيرِ الْعَبْدِ بِهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ تَفْسِيرَهُ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُهُ بِالرَّقِيقِ وَعِبَارَةُ اج قَوْلُهُ الْإِنْسَانُ هُوَ أَحَدُ مَعَانِيهِ أَيْ الْعَبْدُ وَفِي الْحَقِيقَةِ كُلُّ مَخْلُوقٍ وَلَوْ جَمَادًا إذْ مَعْنَى الْعَبْدِ حَقِيقَةً الْخَاضِعُ الْمُحْتَاجُ اهـ وَإِطْلَاقُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْجِنِّ وَارِدٌ فِي الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس: ٥] {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: ٦] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ النَّاسُ مُفْرَدُهُ إنْسَانٌ وَلِلْعَبْدِ جُمُوعٌ أُخَرُ نَظَمَهَا ابْنُ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ
عِبَادٌ عَبِيدٌ جَمْعُ عَبْدٍ وَأَعْبُدْ ... أَعَابِدُ مَعْبُودَاءُ مَعْبَدَةٌ عُبُدْ
كَذَاكَ عُبْدَانُ عُبْدَانُ وَأَثْبِتْ ... كَذَاكَ الْعَبْدَا وَامْدُدْ إنْ شِئْت أَنْ تَمُدّْ
قَوْلُهُ: (فَقَدْ دُعِيَ) أَيْ وُصِفَ وَكَأَنَّهُ عِلَّةٌ لِلتَّعْمِيمِ وَالظَّاهِرُ ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِ الدَّقَّاقِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ) مِنْ أَكَابِرِ الصُّوفِيَّةِ وَهُوَ شَيْخُ الْإِمَامِ الْقُشَيْرِيِّ لَا الْأُصُولِيِّ. قَوْلُهُ: (أَتَمُّ وَلَا أَشْرَفُ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ نِهَايَةُ التَّوَاضُعِ وَالْخُضُوعِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّ مَا عَلَيْهِ حَسَبَ طَاقَتِهِ اهـ أج وَعَرَّفَ الْمُنَاوِيُّ الْعُبُودِيَّةَ بِأَنَّهَا الْوَفَاءُ بِالْوُعُودِ وَحِفْظُ الْعُهُودِ وَالرِّضَا بِالْمَوْجُودِ وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَفْقُودِ.
قَوْلُهُ: (لَا تَدْعُنِي) أَيْ لَا تَصِفْنِي عِنْدَ النِّدَاءِ وَغَيْرِهِ، وَضَمِيرُ عَبْدِهَا لِلْحَضْرَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَسْمَاءِ الصِّفَاتُ وَقَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ:
يَا قَوْمِ قَلْبِي عِنْدَ زَهْرَاءَ ... يَعْرِفُهَا السَّامِعُ وَالرَّائِي
قَوْلُهُ: (الرَّأْفَةُ وَالرِّفْقُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الرَّأْفَةُ أَشَدُّ الرَّحْمَةِ، وَالرِّفْقُ ضِدُّ الْعُنْفِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ يَشْمَلُ غَيْرَ اللَّهِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَاللَّطِيفُ الْخَفِيُّ عَنْ الْإِدْرَاكِ أَوْ الْعَالِمُ بِدَقَائِقِ الْأُمُورِ، وَالْخَبِيرُ أَعَمُّ مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: (وَالْعِصْمَةُ) بِالْكَسْرِ وَهِيَ لُغَةً الْمَنْعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود: ٤٣] أَيْ لَا مَانِعَ وَيُقَالُ عَصَمَهُ الطَّعَامُ إذَا مَنَعَهُ الْجُوعَ وَاصْطِلَاحًا عَدَمُ خَلْقِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالصَّبِيِّ وَالْمَيِّتِ وَمَنْ مَنَعَهُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ مَانِعٌ وَالْأَحْسَنُ تَعْرِيفُهَا بِأَنَّهَا مَلَكَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَمْنَعُ مِنْ الْفُجُورِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهَا مُطْلَقَةً وَمُقَيَّدَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْحِفْظُ عَنْ الْمَعَاصِي، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ الدُّعَاءِ بِهَا مُطْلَقَةً لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ.
وَأُجِيبُ: بِأَنَّهَا فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَاجِبَةٌ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ جَائِزَةٌ وَسُؤَالُ الْجَائِزِ جَائِزٌ، وَأَنَّ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وُقُوعًا لَهُمْ لَا طَلَبُهَا اهـ شَبْرَخِيتِيٌّ. وَعِبَارَةُ سم: وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ سُؤَالِ الْعِصْمَةِ وَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ إنْ قَصَدَ التَّوَقِّيَ عَنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي وَالرَّذَائِلِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ امْتَنَعَ لِأَنَّهُ سُؤَالُ مَقَامِ النُّبُوَّةِ، أَوْ التَّحَفُّظُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالتَّحَصُّنُ مِنْ أَفْعَالِ السُّوءِ، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَيَبْقَى الْكَلَامُ حَالَ الْإِطْلَاقِ، وَالْمُتَّجَهُ عِنْدِي الْجَوَازُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ لِلْمَحْذُورِ وَاحْتِمَالِهِ لِلْوَجْهِ الْجَائِزِ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَخْلُقَ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِلتَّوْفِيقِ وَلَمْ يُفَسِّرْ الْعِصْمَةَ فَطَاهِرُهُ أَنَّهَا مُرَادِفَةٌ لِلتَّوْفِيقِ، وَقَدْ يُقَالُ لَمْ يُفَسِّرْهَا لِأَنَّهُ لَمْ