فَلَوْ انْتَهَى سَفَرُهُ فِيهَا كَأَنْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ أَوْ شَكَّ فِي انْتِهَائِهِ أَتَمَّ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ فِي الْأُولَى وَلِلشَّكِّ فِيهِ فِي الثَّانِيَةِ.
وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوَّلَ سَفَرِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ طَوِيلٌ فَيَقْصُرَ أَوَّلًا، فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ لِانْتِفَاءِ عِلْمِهِ بِطُولِهِ أَوَّلَهُ، وَلَا طَالِبَ غَرِيمٍ أَوْ آبِقٍ يَرْجِعُ مَتَى وَجَدَهُ وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ سَفَرَ مَرْحَلَتَيْنِ أَوَّلًا كَأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَطْلُوبَهُ قَبْلَهُمَا جَازَ لَهُ الْقَصْرُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الْهَائِمُ سَفَرَ مَرْحَلَتَيْنِ كَمَا شَمِلَتْهُ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ عَلِمَ الْأَسِيرُ أَنَّ سَفَرَهُ طَوِيلٌ وَنَوَى الْهَرَبَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَيَقْصُرُ بَعْدَهُمَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ إذَا نَوَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهَا مَتَى تَخَلَّصَتْ مِنْ زَوْجِهَا رَجَعَتْ، وَالْعَبْدُ أَنَّهُ مَتَى عَتَقَ رَجَعَ فَلَا يَتَرَخَّصَانِ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ طَوِيلٌ يَبْلُغُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَقَصِيرٌ لَا يَبْلُغُهَا فَسَلَكَ الطَّوِيلَ لِغَرَضٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ كَسُهُولَةِ طَرِيقٍ، أَوْ أَمْنٍ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ الْمُبَاحُ، وَإِنْ سَلَكَهُ لِمُجَرَّدِ الْقَصْرِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فَلَا يَقْصُرُ لِأَنَّهُ طَوَّلَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لِأَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهِ. قَالَ ق ل: وَهَذَا الشَّرْطُ مِنْ أَفْرَادِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ. وَيُشْتَرَطُ التَّحَرُّزُ إلَخْ قَوْلُهُ: (لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ) وَهُوَ السَّفَرُ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ قَوْلُهُ: (قَصْدُ مَوْضِعٍ) مُرَادُهُ قَصْدُ طُولِ السَّفَرِ اهـ ق ل قَوْلُهُ: (مَعْلُومٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَسَافَةِ قَوْلُهُ: (مُعَيَّنٍ) كَأَنْ قَصَدَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَوْ دِمَشْقَ، وَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَأَنْ قَصَدَ الشَّامَ إذْ الشَّامُ عَامٌّ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ وَنَحْوُهُ خَاصٌّ. وَقِيلَ الْمَعْلُومُ الْمُعَيَّنُ كَالشَّامِ وَالْمَعْلُومُ الْغَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَأَنْ قَصَدَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ مَحَلًّا بِعَيْنِهِ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ إذْ الشَّامُ مُعَيَّنٌ مِنْ غَيْرِهِ كَالْيَمَنِ اهـ أج قَوْلُهُ: (أَوَّلَ سَفَرِهِ) مَعْمُولٌ لَقَصَدَ وَالْمَعْلُومُ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ بَعْدُ قَوْلُهُ: (لِيَعْلَمَ أَنَّهُ طَوِيلٌ) عِبَارَتُهُ تَشْمَلُ مَا لَوْ قَصَدَ كَافِرٌ مَرْحَلَتَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي أَثْنَائِهِمَا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فِيمَا بَقِيَ لِقَصْدِهِ أَوَّلًا مَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْقَصْرُ لَوْ كَانَ مُتَأَهِّلًا لَهُ اهـ أج. قَوْلُهُ: (فَيَقْصُرَ أَوَّلًا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَيَكُونُ ظَرْفًا لِيَقْصُرَ، وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ بِسُكُونِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُحَشِّيِّ فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ أَيْ أَوْ لَا فَلَا.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ) أَيْ لِأَنَّ سَفَرَهُ مَعْصِيَةٌ إذْ إتْعَابُ النَّفْسِ بِالسَّفَرِ لِغَيْرِ غَرَضٍ حَرَامٌ اهـ. وَسَوَاءٌ سَلَكَ طَرِيقًا مَسْلُوكًا أَمْ لَا فَإِنْ رَكِبَ طَرِيقًا غَيْرَ مَسْلُوكٍ سُمِّيَ رَاكِبَ التَّعَاسِيفِ فَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي أَنَّهَا لَا يَقْصِدَانِ مَحَلًّا مُعَيَّنًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا مَسْلُوكًا سُمِّيَ هَائِمًا فَقَطْ، أَوْ طَرِيقًا غَيْرَ مَسْلُوكٍ سُمِّيَ هَائِمًا وَرَاكِبَ التَّعَاسِيفِ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ يَجْتَمِعَانِ فِي مَادَّةٍ وَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا فِي أُخْرَى، وَالتَّعَاسِيفُ جَمْعُ تَعَسُّفٍ مَأْخُوذٌ مِنْ تَعَسَّفَ مَالَهُ أَوْ مِنْ عَسَّفَهُ تَعَسُّفًا أَتْعَبَهُ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَلَا طَالِبَ غَرِيمٍ) أَيْ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَرْحَلَتَيْنِ، فَإِنْ جَاوَزَهُمَا قَصَرَ فِيمَا بَعْدَهُمَا وَهَذَا غَيْرُ الِاسْتِدْرَاكِ الْآتِي قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الْهَائِمُ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي كَوْنِ هَذَا هَائِمًا نَظَرٌ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (نَوَى الْهَرَبَ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ لَمْ يَقْصُرْ) أَيْ لِمُعَارَضَةِ نِيَّةِ الْهَرَبِ لِعِلْمِهِ بِطُولِهِ قَوْلُهُ: (مَتَى تَخَلَّصَتْ إلَخْ) أَيْ أَوْ تَمَكَّنَتْ مِنْ النُّشُوزِ نَشَزَتْ، وَالْعَبْدُ مَتَى تَمَكَّنَ مِنْ الْهَرَبِ هَرَبَ لَمْ يَقْصُرُوا قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ لِمُنَافَاةِ نِيَّتِهِمَا لِعِلْمِهِمَا بِطُولِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى عَلِمَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الْأَسِيرُ طُولَ الْمَسَافَةِ فَلَهُمْ الْقَصْرُ مَا لَمْ يَنْوُوا الْهَرَبَ وَنَحْوَهُ، فَإِنْ نَوَوْهُ فَلَا قَصْرَ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الْمَسَافَةِ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَلَا قَصْرَ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ نَوَوْا الْهَرَبَ وَنَحْوَهُ أَمْ لَا مَا لَمْ يَبْلُغُوا مَسَافَةَ الْقَصْرِ، فَلَوْ نَوَوْا سَيْرَ مَرْحَلَتَيْنِ قَصَرَ الْجُنْدِيُّ إنْ لَمْ يُثْبَتْ قَوْلُهُ: (لِغَرَضٍ دِينِيٍّ) أَيْ وَلَوْ مَعَ نِيَّةِ الْقَصْرِ فَلَا يَضُرُّ التَّشْرِيكُ، وَمَثَّلَ الْمَرْحُومِيُّ لِلْغَرَضِ الدِّينِيِّ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ زِيَارَةِ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ قَوْلُهُ: (أَوْ دُنْيَوِيٍّ) وَمِنْهُ قَصْدُ النُّزْهَةِ وَلَا يَقْصُرُ مَنْ قَصَرَ ابْتِدَاءَ السَّفَرِ لَهَا، وَهَذِهِ خَارِجَةٌ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (كَسُهُولَةِ طَرِيقٍ) أَيْ أَوْ رُخْصِ سِعْرِ بِضَاعَةٍ أَوْ زِيَادَةٍ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَمْنٍ) أَوْ فِرَارٍ مِنْ الْمَكَّاسِينَ قَوْلُهُ: (جَازَ لَهُ الْقَصْرُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ إلَخْ) وَمِنْهُ مَا لَوْ سَلَكَ لِغَرَضِ التِّجَارَةِ أَوْ التَّنَزُّهِ قَالَ م ر: لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ انْضَمَّ لَهُ مَا ذُكِرَ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْغَرَضُ التَّنَزُّهَ كَأَنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فَلَا يَقْصُرْ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute