بَعِيدٍ عَنْ بَابِ دَارِهِ عُرْفًا بِحَيْثُ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ فِي طَرِيقِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ يَمْشِي إلَى الْمُصَلَّى فِي كِنٍّ، أَوْ كَانَ الْمُصَلَّى قَرِيبًا فَلَا يَجْمَعُ لِانْتِفَاءِ التَّأَذِّي وَبِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا لِانْتِفَاءِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ، وَأَمَّا جَمْعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَطَرِ مَعَ أَنَّ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ كَانَتْ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ بُيُوتَهُنَّ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً وَأَكْثَرُهَا كَانَ بَعِيدًا، فَلَعَلَّهُ حِينَ جَمَعَ لَمْ يَكُنْ بِالْقَرِيبِ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ بِالْمَأْمُومِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِالْمَطَرِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَلِمَنْ اتَّفَقَ لَهُ وُجُودُ الْمَطَرِ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ أَنْ يَجْمَعَ وَإِلَّا لَاحْتَاجَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ أَوْ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ فِي رُجُوعِهِ إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ عَوْدِهِ، أَوْ فِي إقَامَتِهِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِيه.
تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا جَمْعَ بِغَيْرِ السَّفَرِ وَنَحْوُ الْمَطَرِ كَمَرَضٍ وَرِيحٍ وَظُلْمَةٍ وَخَوْفٍ وَوَحْلٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَلِخَبَرِ الْمَوَاقِيتِ فَلَا يُخَالَفُ إلَّا بِصَرِيحٍ وَحَكَى فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا جَوَازَهُ بِالْمَذْكُورَاتِ قَالَ: وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا فِي الْمَرَضِ وَالْوَحْلِ وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنْ فَرَضَهُ فِي الْمَرَضِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقَدْ ظَفِرْتُ بِنَقْلِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ اهـ وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] وَعَلَى ذَلِكَ يُسَنُّ أَنْ يُرَاعِيَ الْأَرْفَقَ بِنَفْسِهِ، فَمَنْ يُحَمُّ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ يُقَدِّمُهَا بِشَرَائِطِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الثَّانِيَةَ جَمَاعَةً وَإِنْ صَلَّى الْأُولَى فُرَادَى لِأَنَّهَا فِي وَقْتِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَكْفِي وُجُودُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالثَّانِيَةِ وَإِنْ انْفَرَدُوا قَبْلَ تَمَامِ رَكْعَتِهَا الْأُولَى، بَلْ تَكْفِي الْجَمَاعَةُ وَإِنْ كُرِهَتْ لَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَضْلُهَا لِأَنَّهُ يَكْفِي وُجُودُ صُورَتِهَا فِي دَفْعِ الْإِثْمِ وَالْمُقَاتَلَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامِ الْجَمَاعَةَ أَوْ الْإِمَامَةَ وَإِلَّا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَلَا صَلَاتُهُمْ إنْ عَلِمُوا ذَلِكَ سم وح ل وأ ج.
قَوْلُهُ: (بِمُصَلًّى) أَيْ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ أج. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِمُصَلًّى قَوْلُهُ: (وَبِخِلَافِ مِنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا) أَيْ وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ الْجَمَاعَةِ) أَيْ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ فَيَمْتَنِعُ الْجَمْعُ فِي الِانْفِرَادِ قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ) أَيْ بَعْضُهَا أَخْذًا مِنْ الْجَوَابِ قَوْلُهُ: (بِأَنَّ لِلْإِمَامِ إلَخْ) قَالَ م ر: وَالْأَوْجَهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ إمَامًا رَاتِبًا أَوْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إمَامَتِهِ تَعْطِيلُ الْجَمَاعَةِ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ رَدُّ مَا بَحَثَهُ ق ل مِنْ جَوَازِ الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ لِمُجَاوِرِي الْأَزْهَرِ تَبَعًا لِمَنْ يَجُوزُ لَهُمْ الْجَمْعُ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ الْفَرْقِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لِلْإِمَامِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعْطِيلُ الْمَسْجِدِ عَنْ الْإِمَامَةِ وَهُوَ لَا يَجْرِي فِي الْمُجَاوِرِينَ قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُجَاوِرِينَ يُؤَخِّرُونَهَا إلَى وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ وَإِنْ أَدَّى تَأْخِيرُهُمْ إلَى صَلَاتِهِمْ فُرَادَى بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ غَيْرُ مَنْ صَلَّى، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ إنْ أَدَّى تَأْخِيرُهُمْ إلَى صَلَاتِهِمْ فُرَادَى أَيْ فَيَجْمَعُونَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ تَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ.
قَوْلُهُ: (كَمَرَضٍ) مِثَالٌ لِلْغَيْرِ قَوْلُهُ: (وَلِخَبَرِ الْمَوَاقِيتِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ» يَعْنِي أَنَّهُ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا وَلَمْ يُخْلِ وَقْتًا عَنْ صَلَاتِهِ، وَلَكِنْ وَرَدَ نَصٌّ عَنْ الشَّارِعِ بِإِخْلَاءِ بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَنْ الصَّلَاةِ بِسَبَبٍ خَاصٍّ وَهُوَ السَّفَرُ وَالْمَطَرُ دُونَ غَيْرِهِمَا، فَعَمِلْنَا بِذَلِكَ النَّصِّ وَأَبْقَيْنَا خَبَرَ الْمَوَاقِيتِ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي غَيْرِ السَّبَبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَهُمَا مُسْتَثْنَيَانِ مِنْهُ قَوْلُهُ: (فَلَا يُخَالَفُ) أَيْ خَبَرُ الْمَوَاقِيتِ إلَّا بِصَرِيحِ قَوْلِهِ: (فِي الْمَرَضِ وَالْوَحْلِ) أَيْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» شَرْحُ الرَّوْضِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي) أَيْ فَقَالَ: فَرْعُ الْمُخْتَارِ جَوَازُ الْجَمْعِ بِالْمَرَضِ اهـ مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ نَصًّا فِي الدَّلَالَةِ قَوْلُهُ: (وَعَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بِالْمَرَضِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَمَنْ يُحَمُّ إلَخْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (بِشَرَائِطِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ) وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَيُجْعَلُ الْمَرَضُ هُنَا كَالسَّفَرِ هُنَاكَ أج. فَيَكُونُ الشَّرْطُ الرَّابِعُ دَوَامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute