للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِعَوْدِهِ وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ، وَإِنَّمَا جُمِعَ بِالْيَاءِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَاوَ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ، وَقِيلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ وَالْأَصْلُ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ الْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْأَضْحَى وَالذَّبْحَ «وَأَوَّلُ عِيدٍ صَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيدُ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ» فَهِيَ سُنَّةٌ كَمَا قَالَ (وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلسَّائِلِ عَنْ الصَّلَاةِ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ، قَالَ لَهُ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» (مُؤَكَّدَةٌ) لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا وَتُشْرَعُ جَمَاعَةً وَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ بِمِنًى، أَمَّا هُوَ فَلَا تُسَنُّ لَهُ صَلَاتُهَا جَمَاعَةً وَتُسَنُّ لَهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْأَعْوَادُ بِالنِّعَمِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا جُمِعَ بِالْيَاءِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي سُؤَالٍ أَجَابَ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ. قَوْلُهُ: (لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ) فِي هَذَا نَظَرٌ لِانْتِقَاضِهِ بِنَحْوِ مِيزَانٍ، فَإِنَّ الْيَاءَ لَازِمَةٌ فِي الْوَاحِدِ وَجَمْعُهُ بِالْوَاوِ، قَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الأنبياء: ٤٧] فَالظَّاهِرُ فِي التَّعْلِيلِ هُوَ مَا حَكَاهُ بِقِيلِ؛ وَلِهَذَا عَكَسَ فِي الْمِصْبَاحِ فَقَدَّمَ التَّعْلِيلَ الثَّانِيَ وَحَكَى الْأَوَّلَ بِقِيلِ، فَقَالَ: جَمْعُ الْعِيدِ عَلَى أَعْيَادٍ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ، وَقِيلَ: لِلُزُومِ الْيَاءِ فِي وَاحِدِهِ، وَقَدْ كَانَ يَوْمَا الْعِيدَيْنِ لِلْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَيْ لَعِبٍ فَأُمِرْنَا بِإِظْهَارِ الذِّكْرِ فِيهِمَا إغَاظَةً لِلْمُشْرِكِينَ وَشُكْرًا عَلَى مَا أَوْلَيْنَا قَبْلَهُمَا مِنْ تَتْمِيمِ رَمَضَانَ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ لَا سِيَّمَا الْحَجُّ. قَالَ فِي الْإِتْحَافِ: وَإِنَّمَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عِيدًا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ إشَارَةً لِكَثْرَةِ الْعِتْقِ قَبْلَهُ كَمَا أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ هُوَ الْعِيدُ الْأَكْبَرُ لِكَثْرَةِ الْعِتْقِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَهُ، إذْ لَا يَوْمَ يُرَى أَكْثَرَ عِتْقًا مِنْهُ، فَمَنْ أُعْتِقَ قَبْلَهُ فَهُوَ الَّذِي بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ عِيدٌ وَمَنْ لَا فَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِبْعَادِ وَالْوَعِيدِ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْأَضْحَى) وَقِيلَ: الْمُرَادُ صَلِّ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَانْحَرْ الْبُدْنَ بِمِنًى، وَقِيلَ: إنَّ نَاسًا كَانُوا يُصَلُّونَ وَيَنْحَرُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ لَهُ وَيَنْحَرَ لَهُ تَقَرُّبًا. وَالْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ أَوْ الْقُرْآنُ أَوْ النُّبُوَّةُ أَوْ كَثْرَةُ الْأَتْبَاعِ وَالْأُمَّةِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. فَائِدَةٌ: جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: عِيدَ الْجُمُعَةِ وَالْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَكُلُّهَا بَعْدَ إكْمَالِ الْعِبَادَةِ وَطَاعَتِهِمْ. وَلَيْسَ الْعِيدُ لِمَنْ لَبِسَ الْجَدِيدَ بَلْ هُوَ لِمَنْ طَاعَتُهُ تَزِيدُ، وَلَا لِمَنْ تَجَمَّلَ بِاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ بَلْ لِمَنْ غُفِرَتْ لَهُ الذُّنُوبُ. وَأَمَّا عِيدُهُمْ فِي الْجَنَّةِ فَهُوَ وَقْتُ اجْتِمَاعِهِمْ بِرَبِّهِمْ وَرُؤْيَتِهِ فِي حَضْرَةِ الْقُدُسِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ عِنْدَهُمْ أَلَذَّ مِنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَالذَّبْحَ) أَيْ ذَبْحَ الْأُضْحِيَّةِ.

قَوْلُهُ: «وَأَوَّلُ عِيدٍ صَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيدُ الْفِطْرِ» وَكَانَ فِي الْمَكَانِ الْمَعْرُوفِ الْآنَ فِي الْمَدِينَةِ بِمُصَلَّى الْعِيدِ خَارِجَ سُورِهَا فِي مَنْزِلِ الْحَاجِّ الْمِصْرِيِّ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (فَهِيَ سُنَّةٌ) الظَّاهِرُ تَفْرِيعُهُ عَلَى الدَّلِيلَيْنِ قَبْلَهُ، لَكِنْ بِوَاسِطَةِ حَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ لِأَنَّهُ أَدْنَى الْمَرَاتِبِ وَحُمِلَ فِعْلُهُ أَيْ النَّبِيِّ عَلَى ذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَيْنًا وَعِنْدَ أَحْمَدَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَعِنْدَنَا كَمَالِكٍ سُنَّةٌ. وَدَلِيلُنَا حَدِيثٌ: «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» . قُلْت: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ: إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ فَعَلَيْك الْإِتْمَامُ؛ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى لُزُومِ إتْمَامِ كُلِّ نَفْلٍ شُرِعَ فِيهِ. وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلَانِ بِآيَةِ: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ صَلِّ الْعِيدَ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ لَاقْتَضَى وُجُوبَ النَّحْرِ عَلَيْنَا وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَهُوَ خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اخْتَصَّ بِهِ النَّحْرُ، فَإِذَا أَدْخَلْتُمْ مَعَهُ الْأُمَّةَ وَجَبَ إدْخَالُ الْجَمِيعِ، فَلَمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إخْرَاجِ بَعْضِهِمْ كَمَا زَعَمْتُمْ كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي الْقِيَاسِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ الصَّلَاةِ) أَيْ عَنْ عَدَدِ الْوَاجِبِ مِنْهَا.

قَوْلُهُ: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ) مَقُولُ الْقَوْلِ.

قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَوْ الْمُرَادُ تَطَوُّعُهُ بِإِيجَابِ صَلَاةٍ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (لِمُوَاظَبَتِهِ) وَتَرْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَلَاةِ عِيدِ النَّحْرِ فِي مِنًى لَا يُنَافِي الْمُوَاظَبَةَ مَعَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى تَرْكِهَا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّاهَا فُرَادَى سم. قَوْلُهُ: (بِمِنًى) لَيْسَ بِقَيْدٍ، حَتَّى لَوْ نَزَلُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>