مَوْصُولًا بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَصْلُحُ لِلْمَاضِي وَالْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ وَاذَا كَانَ مَوْصُولًا بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْمَعْنَى «فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ» أَيْ الْمِظَلَّةَ لِأَنَّ الْمَطَرَ يَنْزِلُ مِنْهَا إلَى السَّحَابِ أَوْ السَّحَابَ نَفْسَهُ أَوْ الْمَطَرَ) «عَلَيْنَا مِدْرَارًا» بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ كَثِيرَ الدَّرِّ، وَالْمَعْنَى أَرْسِلْ عَلَيْنَا مَاءً كَثِيرًا
وَيُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَظْهَرَ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ وَيَكْشِفَ مِنْ جَسَدِهِ غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَطَرِ تَبَرُّكًا وَلِلِاتِّبَاعِ (وَيَغْتَسِلَ) أَوْ يَتَوَضَّأَ نَدْبًا كُلُّ أَحَدٍ (فِي الْوَادِي) وَمَرَّ تَفْسِيرُهُ (إذَا سَالَ) مَاؤُهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ الْجَمْعُ ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغُسْلِ ثُمَّ عَلَى الْوُضُوءِ وَالْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُصَادِفَ وَقْتَ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ، لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ هِيَ الْحِكْمَةُ فِي كَشْفِ الْبَدَنِ لِيَنَالَ أَوَّلَ مَطَرِ السَّنَةِ وَبَرَكَتَهُ (وَيُسَبِّحَ لِلرَّعْدِ) أَيْ عِنْدَ الرَّعْدِ (وَالْبَرْقِ) فَيَقُولَ: «سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ» كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَقِيسَ بِالرَّعْدِ الْبَرْقُ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُ: " سُبْحَانَ مَنْ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا " وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ وَالْبَرْقَ أَجْنِحَتُهُ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَسْمُوعُ صَوْتُهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْحَاصِلَةِ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْمِظَلَّةَ) هُوَ الْجِرْمُ الْمَعْهُودُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلسَّمَاءِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ السَّحَابَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْمِظَلَّةَ، وَكَذَا قَوْلُهُ " أَوْ الْمَطَرَ " كَمَا فِي قَوْلِهِ:
إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غَضَابَى
وَغَضَابَى بِفَتْحِ الْغَيْنِ كَنَدْمَانَ وَنَدَامَى.
قَوْلُهُ: (لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لِكَوْنِهِ الْآكَدَ.
قَوْلُهُ: (لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ) مِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، قَالَ ح ل: فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْوُضُوءِ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْغَرَضُ إمْسَاسُ الْمَاءِ لِتِلْكَ الْأَعْضَاءِ فَهُوَ عَلَى صُورَةِ الْمُتَوَضِّئِ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي مَاءِ السَّيْلِ لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَالَ السَّيْلُ قَالَ: اُخْرُجُوا بِنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرُ مِنْهُ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ» وَهُوَ صَادِقٌ بِالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ. وَتَعْبِيرُ النَّوَوِيِّ هُنَا فِي الرَّوْضَةِ بِ " أَوْ " يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ أَحَدِهِمَا بِالْمَنْطُوقِ وَكِلَيْهِمَا بِمَفْهُومِ الْأُولَى، فَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ، فَقَالَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْتَسِلَ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فَلْيَتَوَضَّأْ؛ وَالْمُتَّجَهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغُسْلِ ثُمَّ عَلَى الْوُضُوءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا نِيَّةٌ إلَّا إنْ صَادَفَ وَقْتَ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ كَشْفُ الْبَدَنِ لِيَنَالَهُ أَوَّلُ مَطَرِ السَّنَةِ وَبَرَكَتُهُ. هَذَا مَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْخَطِيبُ وَالشَّيْخُ م ر.
وَخَالَفَهُمَا شَيْخُنَا ز ي وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ نِيَّةٍ وَاعْتَمَدَهُ وَجَزَمَ بِهِ وَقَالَ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ وَأَدِينُ اللَّهَ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ مُرَادُهُ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ الشَّرْعِيَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ إمْسَاسَ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ فَكَلَامُهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ.
قَوْلُهُ: (هِيَ الْحِكْمَةُ فِي كَشْفِ الْبَدَنِ) أَيْ وَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ قَوْلُهُ: (سُبْحَانَ إلَخْ) أَيْ يَقُولُهَا ثَلَاثًا كَمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: " كُنَّا مَعَ عُمَرَ فِي سَفَرٍ فَأَصَابَنَا رَعْدٌ وَبَرْقٌ وَبَرْدٌ فَقَالَ لَنَا كَعْبٌ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الرَّعْدَ سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ إلَخْ عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ. فَقُلْنَا فَعُوفِينَا " اهـ. وَمَعْنَى يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ يُنَزِّهُهُ حَالَ كَوْنِهِ مُتَلَبِّسًا بِحَمْدِهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤] وَقَوْلُهُ {مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد: ١٣] أَيْ مِنْ أَجْلِ خَوْفِهِمْ مِنْهُ تَعَالَى:. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ قَوْلُهُ: (فَالْمَسْمُوعُ صَوْتُهُ إلَخْ) وَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَلَامُ الْمَتْنِ مُحْتَاجًا لِتَقْدِيرٍ أَيْ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِهِ أَوْ صَوْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute