للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الثَّانِيَةِ مَعَ التَّحَوُّلِ فِيهَا، وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ صُفُوفًا ثُمَّ يَحْرُسُ صَفَّانِ فَأَكْثَرُ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ الْحِرَاسَةُ بِالسُّجُودِ دُونَ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الرَّاكِعَ تُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْرِسَ جَمِيعَ مَنْ فِي الصَّفِّ، بَلْ لَوْ حَرَس فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِرْقَتَا صَفٍّ عَلَى الْمُنَاوَبَةِ وَدَامَ غَيْرُهُمَا عَلَى الْمُتَابَعَةِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْحَارِسَةُ مُقَاوِمَةً لِلْعَدُوِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْجُلُوسُ وَاحِدًا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَزِيدَ الْكُفَّارُ عَلَى اثْنَيْنِ، وَكَذَا يَجُوزُ لَوْ حَرَسَتْ فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِكُلِّ ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَأَنْ يَحْرُسَ أَقَلُّ مِنْهَا (وَ) الضَّرْبُ (الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ) فِعْلُهُمْ الصَّلَاةَ (فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ) وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ بِحَيْثُ لَمْ يَأْمَنُوا هُجُومَ الْعَدُوِّ وَلَوْ وَلَّوْا عَنْهُ أَوْ انْقَسَمُوا (وَالْتِحَامِ الْحَرْبِ) أَيْ الْقِتَالِ بِأَنْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ اخْتِلَاطِهِمْ بِحَيْثُ يَلْتَصِقُ لَحْمُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ أَوْ يُقَارِبُ الْتِصَاقُهُ (فَيُصَلِّي) كُلُّ وَاحِدٍ حِينَئِذٍ (كَيْفَ أَمْكَنَهُ رَاجِلًا) أَيْ مَاشِيًا (أَوْ رَاكِبًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: ٢٣٩] وَلَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا (مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ وَغَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ لَهَا) فَيُعْذَرُ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي تَرْكِ تَوَجُّهِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِسَبَبِ الْعَدُوِّ

لِلضَّرُورَةِ

. قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا. قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَاهُ إلَّا مَرْفُوعًا بَلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهَا بِجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَطَالَ الزَّمَانُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ وَتَقَدَّمُوا

ــ

[حاشية البجيرمي]

الصَّفُّ الْأَوَّلُ، ثُمَّ رَكَعَ وَاعْتَدَلَ بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الثَّانِي الَّذِي تَقَدَّمَ وَاسْتَمَرَّ الصَّفُّ الْأَوَّلُ الَّذِي تَأَخَّرَ عَلَى الْحِرَاسَةِ فِي اعْتِدَالِهِ، فَلَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ أَتَمُّوا بَقِيَّةَ صَلَاتِهِمْ وَجَلَسُوا مَعَهُ لِلتَّشَهُّدِ، فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ بِهِمْ جَمِيعًا» وَعَلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ حَمَلَ أَئِمَّتُنَا مَا جَاءَ " فُرِضَتْ الصَّلَاةُ فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً " أَيْ أَنَّهَا رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ، وَيُضَمُّ إلَيْهَا أُخْرَى ثُمَّ رَأَيْت فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ هِيَ صَلَاةُ عُسْفَانَ، عَنْ أَبِي عَبَّاسٍ الزُّرَقِيُّ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُسْفَانَ، فَاسْتَقْبَلَنَا الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ فَقَالُوا: قَدْ كَانُوا عَلَى حَالِ غِرَّةٍ» الْحَدِيثُ وَاشْتَرَطَ أَئِمَّتُنَا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَهِيَ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَلَا سَاتِرَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَفٍّ مُقَاوِمًا لِلْعَدُوِّ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لِاثْنَيْنِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ وَلَعَلَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّفَّيْنِ كَانَتْ كَذَلِكَ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ لَمْ يَنْزِلْ بِهَا الْقُرْآنُ كَصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ، فَعُلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ إلَّا بِصَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَبِصَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ أَوْ لَمْ يَأْمَنُوا هُجُومَ الْعَدُوِّ اهـ.

قَوْلُهُ: (بِالسُّجُودِ) أَيْ فِي حَالِ سُجُودِهِمْ دُونَ رُكُوعِهِمْ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الرَّاكِعَ تُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ) فِي نُسْخَةٍ: " تُمْكِنُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ " أَيْ تُمْكِنُهُ الْحِرَاسَةُ بِالْمُشَاهَدَةِ قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَمْ يَأْمَنُوا) بَيَانٌ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ قَوْلُهُ: (وَلَّوْا عَنْهُ) كَمَا فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَقَوْلُهُ: " أَوْ انْقَسَمُوا " كَمَا فِي عُسْفَانَ قَوْلُهُ: (وَالْتِحَامُ الْحَرْبِ) قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَصِلَ سِلَاحُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ لِلْآخَرِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى " أَوْ " لِأَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا قَبْلَهُ " وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ ".

قَوْلُهُ: (أَوْ يُقَارِبُ الْتِصَاقَهُ) أَيْ الْتِصَاقَ اللَّحْمِ قَوْلُهُ: (كَيْفَ أَمْكَنَهُ) وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَا دَامَ يَرْجُو الْأَمْنَ لَا يَفْعَلُهَا، فَإِنْ رَجَاهُ وَلَوْ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ وَجَبَ التَّأْخِيرُ ق ل وم ر؛ فَإِنْ لَمْ يَرْجُ الْأَمْنَ فَلَهُ فِعْلُهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ قِيَاسًا عَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَأَمَّا بَاقِي الْأَنْوَاعِ فَالظَّاهِرُ فِيهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ ز ي وَسَوَّى سم بَيْنَ الْجَمِيعِ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْصِيلِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ رَاكِبًا) وَلَوْ فِي الْأَثْنَاءِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَلَوْ أَمِنَ الرَّاكِبُ نَزَلَ فَوْرًا وُجُوبًا وَبَنَى إنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ. اهـ. ز ي.

قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ الْعَدُوِّ) خَرَجَ مَا إذَا انْحَرَفَ لِجِمَاحِ الدَّابَّةِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي قَوْلُهُ: (فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ) أَيْ فِي سِيَاقِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَإِلَّا فَتَفْسِيرُ رِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا بِذَلِكَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّفْظِ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي أَمْكَنَهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِبْلَةً إذْ هِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>