الِاغْتِسَالَ بِهِ وَقَالَ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ لَكِنْ بِشُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ بِبِلَادٍ حَارَّةٍ أَيْ وَتَنْقُلُهُ الشَّمْسُ عَنْ حَالَتِهِ إلَى حَالَةٍ أُخْرَى كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي آنِيَةٍ مُنْطَبِعَةٍ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَهِيَ كُلُّ مَا طُرِقَ نَحْوُ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ. الثَّالِثُ: أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي حَالِ حَرَارَتِهِ فِي الْبَدَنِ، لِأَنَّ الشَّمْسَ بِحِدَّتِهَا تَفْصِلُ مِنْهُ زُهُومَةً تَعْلُو الْمَاءَ، فَإِذَا لَاقَتْ الْبَدَنَ بِسُخُونَتِهَا خِيفَ أَنْ تَقْبِضَ عَلَيْهِ فَيَحْتَبِسُ الدَّمُ فَيَحْصُلُ الْبَرَصُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْبَدَنِ لِغَيْرِ الطَّهَارَةِ كَشُرْبٍ كَالطَّهَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الْبَدَنِ كَغَسْلِ ثَوْبٍ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَبِخِلَافِ الْمُسَخَّنِ بِالنَّارِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
كَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِهِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ عَدَمُ صِحَّةِ دَلِيلٍ فِيهِ، فَلَوْ أَنَّهُ كَانَ يَضُرُّ الْأُمَّةَ لَبَيَّنَهُ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَالْأَثَرُ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَبَقِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَوَجْهُ الثَّانِي الْأَخْذُ بِالْأَحْوَطِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ خَبَرَ عُمَرَ اُشْتُهِرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا.
قَوْلُهُ: (يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ بِهِ) وَقِيسَ بِالِاغْتِسَالِ بَاقِي أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالَاتِ.
قَوْلُهُ: (بِبِلَادٍ حَارَّةٍ) فِيهِ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ دُونَ الْقُطْرِ وَمَحَلُّهُ فِي بَلَدٍ خَالَفَتْ وَضْعَ الْقُطْرِ مِثْلُ حَرَّانَ فِي الشَّامِ، وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ الْقُطْرُ كَالْحِجَازِ ق ل. وَهَذَا لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ قَالَ بِبَلَدٍ حَارَّةٍ لِأَنَّ الْبِلَادَ قُطْرٌ، نَعَمْ تَعْبِيرُهُ بِبِلَادٍ دُونَ الْقُطْرِ يُشْعِرُ بِاعْتِبَارِ الْبَلَدِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ وَتَنْقُلُهُ إلَخْ) لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الِانْتِقَالِ مِنْ الْبُرُودَةِ إلَى الْحَرَارَةِ كَمَا يُوجَدُ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ الزُّهُومَةِ، وَلِذَا قَالَ ق ل أَيْ نَقْلًا يُوجَدُ فِيهِ ظُهُورُ الزُّهُومَةِ لَا مُجَرَّدَ السُّخُونَةِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَضَابِطُ الْمُتَشَمَّسِ أَنْ تُؤَثِّرَ فِيهِ السُّخُونَةُ بِحَيْثُ تُفْصَلُ مِنْ الْإِنَاءِ أَجْزَاءٌ سُمِّيَّةٌ تُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ لَا مُجَرَّدُ انْتِقَالِهِ مِنْ حَالَةٍ لِأُخْرَى بِسَبَبِهَا وَإِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ الِاكْتِفَاءَ بِذَلِكَ اهـ.
قَوْلُهُ: (مُنْطَبِعَةٍ) أَيْ الَّتِي تُمَدُّ بِالْمَطَارِقِ أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تُطْرَقْ بِالْفِعْلِ كَجَبَلٍ أَوْ بِرْكَةٍ مِنْ نَحْوِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ. اهـ. م د وا ج وع ش.
قَوْلُهُ: (غَيْرِ النَّقْدَيْنِ) وَالْعِبْرَةُ بِمَا يُلَاقِي الْمَاءَ فَلَا يُكْرَهُ فِي النُّحَاسِ الْمُمَوَّهِ بِهِمَا حَيْثُ مَنَعَ مِنْ انْفِصَالِ الزُّهُومَةِ وَيُكْرَهُ عَكْسُهُ وَالصَّدَأُ كَالنَّقْدِ إنْ مَنَعَ مَا ذُكِرَ. قَالَ اج: فَلَوْ كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَطُلِيَ بِنُحَاسٍ وَشُمِّسَ فِيهِ الْمَاءُ كُرِهَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ حَصَلَ مِنْ النُّحَاسِ شَيْءٌ بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ أَمْ لَا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ نُحَاسٍ وَطُلِيَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُنْطَبِعُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِصَفَاءِ جَوْهَرِهِمَا فَلَا يَنْفَصِلُ مِنْهُمَا شَيْءٌ، وَلَا فَرْقَ فِيهِمَا. وَفِي الْمُنْطَبِعِ مِنْ غَيْرِهِمَا بَيْنَ أَنْ يَصْدَأَ أَوْ لَا. وَأَمَّا الْمُمَوَّهُ بِأَحَدِهِمَا فَالْأَوْجَهُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَثُرَ التَّمْوِيهُ بِحَيْثُ يَمْنَعُ انْفِصَالَ شَيْءٍ مِنْ الْإِنَاءِ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَ حَيْثُ انْفَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ يُؤَثِّرُ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الْإِنَاءِ الْمَغْشُوشِ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي الْبَدَنِ) وَلَوْ بَدَنَ أَبْرَصَ وَإِنْ عَمَّهُ الْبَرَصُ وَمَيِّتٍ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ كَمَا فِي الْحَيَاةِ زي. قَالَ ح ل: أَيْ وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ شُرْبًا وَمِثْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دُهْنِيَّةٌ، بِخِلَافِ الْجَامِدِ كَسَوِيقٍ لُتَّ بِهَذَا الْمَاءِ وَاسْتُعْمِلَ حَالَ سُخُونَتِهِ وَمِنْ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْبَدَنِ غَسْلُ الثَّوْبِ وَلُبْسُهُ حَالَ رُطُوبَتِهِ وَسُخُونَتِهِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: فِي الْبَدَنِ عُلِمَ مِنْهُ شَرْطٌ رَابِعٌ وَهُوَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْبَدَنِ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا بِأَنْ شَرِبَهُ لَا فِي غَيْرِهِ كَثَوْبٍ إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فِي حَالِ حَرَارَتِهِ، وَيُزَادُ خَامِسٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَشْمِيسُهُ وَقْتَ الْحَرِّ مِنْ النَّهَارِ، وَسَادِسٌ وَهُوَ أَنْ يَجِدَ غَيْرَهُ، وَسَابِعٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا، وَثَامِنٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَخَافَ مِنْهُ ضَرَرًا. وَحَاصِلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ سم أَنَّ الْمُشَمَّسَ وَصْفُهُ الْكَرَاهَةُ، وَتَرْتَفِعُ إذَا فَقَدَ غَيْرَهُ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ، فَيَكُونُ مُبَاحًا وَيَحْرُمُ إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِضَرَرِهِ وَيَجِبُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ عَدْلٌ بِضَرَرِهِ، وَأَمَّا النَّدْبُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (تَعْلُو الْمَاءَ) قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ خَرَقَ الْإِنَاءَ مِنْ أَسْفَلِهِ وَاسْتَعْمَلَ النَّازِلَ وَتَرَكَ الْأَعْلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الزُّهُومَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَاءِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعْلُو الْمَاءَ تَظْهَرُ بِعُلُوِّهِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا مُنْبَثَّةٌ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ.
قَوْلُهُ: (فَيَحْصُلُ الْبَرَصُ) أَيْ إمَّا حُدُوثُهُ أَوْ زِيَادَتُهُ أَوْ اسْتِحْكَامُهُ شَوْبَرِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ، فَيُكْرَهُ لِلْأَبْرَصِ أَيْضًا لِأَنَّهُ