للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ. وَقَيَّدَهُ فِي الْمُهَذَّبِ بِطَلَبِ مَالِكِهِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَلَوْ بَلَعَ مَالًا لِغَيْرِهِ وَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَضْمَنْ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ كَمَا فِي الرَّوْضِ نُبِشَ وَشُقَّ جَوْفُهُ وَأُخْرِجَ مِنْهُ وَرُدَّ لِصَاحِبِهِ، أَمَّا إذَا ابْتَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ وَلَا يُشَقُّ لِاسْتِهْلَاكِهِ مَالَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، أَوْ دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَيَجِبُ نَبْشُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا دُفِنَ بِلَا تَكْفِينٍ فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ لِأَنَّ غَرَضَ التَّكْفِينِ السَّتْرُ وَقَدْ حَصَلَ بِالتُّرَابِ. تَتِمَّةٌ: يُسَنُّ أَنْ يَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ سَاعَةً يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ لِأَنَّهُ (ص) كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ مَيِّتٍ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ»

وَيُسَنُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ بَعْدَ الدَّفْنِ لِحَدِيثٍ وَرَدَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ) أَظْهَرَ مَوْضِعَ الْإِضْمَارِ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ دَفْنِهِ) أَيْ تَمَامِ الدَّفْنِ.

قَوْلُهُ: (سَاعَةً) أَيْ قَدْرَ ذَبْحِ الْجَمَلِ وَتَفْرِقَةِ لَحْمِهِ، وَهَذَا غَيْرُ التَّلْقِينِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّؤَالَ عَامٌّ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ إلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَشُهَدَاءُ الْمَعْرَكَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَارُونُ الرَّشِيدِ وَأَمَّا ضَمَّةُ الْقَبْرِ فَهِيَ عَامَّةٌ لِكُلِّ مَيِّتٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا إلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ وَسُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ بِالسُّرْيَانِيِّ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ وَهُوَ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ: الْأُولَى أتره، الثَّانِيَةُ أترح، الثَّالِثَةُ كاره، الرَّابِعَةُ سَالِحِين؛ فَمَعْنَى الْأُولَى: قُمْ يَا عَبْدَ اللَّهِ إلَى سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ: فِيمَ كُنْتَ وَمَعْنَى الثَّالِثَةِ: مَنْ رَبُّك مَا دِينُك، وَمَعْنَى الرَّابِعَةِ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ وَفِي الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ حِفْظَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ الْخَاتِمَةِ، مَيْدَانِيٌّ وَقَوْلُهُ: فِي هَذَا الرَّجُلِ إلَخْ قَدْ يُقَالُ: هَذِهِ الْإِشَارَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِحَاضِرٍ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُكْشَفَ الْمَيِّتُ حَتَّى يُشَاهِدَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ أَنَّهُ يُمْثَلُ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَوَايَا الْقَبْرِ فَائِدَةٌ: ذَكَرَ النَّاشِرِيُّ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ: أَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ حَالَ الدَّفْنِ فِي كَفِّهِ شَيْئًا مِنْهُ وَقَرَأَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: ١] سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ وَضَعَهُ فِي كَفَنِهِ لَمْ يُعَذَّبْ ذَلِكَ الْمَيِّتُ؛ وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ. اهـ. عَلْقَمِيٌّ.

وَقَوْلُهُ: " فِي كَفَنِهِ " أَيْ إنْ كَانَ التُّرَابُ طَاهِرًا بِأَنْ لَمْ يَنْبُشَ الْقَبْرَ فَإِنْ كَانَ نَجِسًا وُضِعَ فِي جَانِبِ قَبْرِ الْمَيِّتِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ مَاتَ وَكَتَبَ هَذَا الدُّعَاءَ وَجُعِلَ فِي كَفَنِهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ عَلَى صَدْرِهِ وَدُفِنَ مَعَهُ لَا يُعَذَّبُ ذَلِكَ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ، وَهُوَ هَذَا: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِعِزَّتِك يَا عَزِيزُ وَبِقُدْرَتِك يَا قَدِيرُ وَبِحِلْمِك يَا حَلِيمُ وَبِعَظَمَتِك يَا عَظِيمُ وَبِرَحْمَتِك يَا رَحِيمُ وَبِمَنِّك يَا مَنَّانُ أَنْ تَحْفَظَنِي بِإِيمَانِي قَائِمًا وَقَاعِدًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا وَحَيًّا وَمَيِّتًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، إلَهِي هَذَا أَوَّلُ قُدُومِي إلَيْك فَأَكْرِمْنِي فَإِنَّ الضَّيْفَ إذَا نَزَلَ بِقَوْمٍ يُكْرَمُ وَأَنْتَ أَوْلَى بِالْإِكْرَامِ، إلَهِي مَا دُمْتُ حَيًّا أَنْتَ أَحْسَنْتَ إلَيَّ الْآنَ انْقَطَعَ حَيَاتِي وَلَا تَمْنَعْ إحْسَانَك عَنِّي بِوَفَاتِي الْآنَ بِرَحْمَتَك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ يَا دَلِيلَ الْمُتَحَيِّرِينَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ هُوَ الْخَالِقُ الْعَلِيمُ رَبُّ الْخَلْقِ وَالْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ اسْتَوْدَعْتُك دِينِي وَإِيمَانِي فَاحْفَظْهُمَا عَلَيَّ فِي حَيَّاتِي وَعِنْدَ وَفَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي» اهـ مِنْ الْمَصَابِيحِ

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ) أَيْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا غَيْرُ حَقِيقَتِهَا لِاسْتِحَالَتِهَا مِمَّنْ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، بَلْ نَحْوَ التَّلَجْلُجِ فِي الْجَوَابِ أَوْ عَدَمِ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: وَيُسَنُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: ٥٥] وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إلَى التَّذَكُّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ الْعَهْدَ الَّذِي خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةٌ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ الْقَبْرَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّك رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا وَرَسُولًا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا وَيُسَنُّ إعَادَةُ التَّلْقِينِ ثَلَاثًا

<<  <  ج: ص:  >  >>