للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِفِطْرَةِ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهِ؟ وَمِنْهَا لَا يَلْزَمُ الِابْنَ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَمُسْتَوْلِدَتِهِ وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَازِمَةٌ لِلْأَبِ مَعَ إعْسَارِهِ فَيَتَحَمَّلُهَا الْوَلَدُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ، وَمِنْهَا عَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ دُونَ فِطْرَتِهِ، وَمِنْهَا الْفَقِيرُ الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ يَلْزَمُ الْمُسْلِمِينَ نَفَقَتُهُ دُونَ فِطْرَتِهِ، وَمِنْهَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَوْ آجَرَ عَبْدَهُ وَشَرَطَ نَفَقَتَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ، وَمِنْهَا عَبْدُ الْمَالِكِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ إذَا شَرَطَ عَمَلَهُ مَعَ الْعَامِلِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَفِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ حَجَّ الْعَبْدُ بِالنَّفَقَةِ، وَمِنْهَا عَبْدُ الْمَسْجِدِ فَلَا تَجِبُ فِطْرَتُهُمَا، وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا سَوَاءٌ أَكَانَ عَبْدُ الْمَسْجِدِ مِلْكًا لَهُ أَوْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَمِنْهَا الْمَوْقُوفُ عَلَى جِهَةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ كَرَجُلٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ.

وَلَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ وَقْتَ الْوُجُوبِ أَوْ كَانَ عَبْدًا لَزِمَ سَيِّدَ الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ فِطْرَتُهَا لَا الْحُرَّةِ فَلَا تَلْزَمُهَا وَلَا زَوْجَهَا لِانْتِفَاءِ يَسَارِهِ، وَالْفَرْقُ كَمَالُ تَسْلِيمِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ لِاسْتِخْدَامِ السَّيِّدِ لَهَا.

ــ

[حاشية البجيرمي]

هَذِهِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي الضَّابِطِ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ " إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ " فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِسْلَامِ فِطْرَةُ الرَّقِيقِ إلَخْ، وَكَذَا. قَوْلُهُ " وَمِنْهَا " لَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ لَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَائِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ " مَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ " لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ، فَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ نَفَقَةُ شَخْصٍ لَزِمَتْهُ فِطْرَتُهُ ثُمَّ يَسْتَثْنِي مِنْهَا؛ وَهَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتُ مِنْ مَنْطُوقِ الْقَاعِدَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِهَا الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَإِنَّ نَفَقَتَهُ لَا تَلْزَمُ السَّيِّدَ وَتَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ، وَكَذَا الْأَمَةُ إذَا كَانَتْ مُسَلَّمَةً لِزَوْجِهَا فَلَا يَلْزَمُ سَيِّدَهَا نَفَقَتُهَا وَيَلْزَمُهُ فِطْرَتُهَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا أَوْ عَبْدًا.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا) هَذَا التَّعْلِيلُ يَشْمَلُ الْكَافِرَ فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَهُ سَيِّدُهُ. قَوْلُهُ: (تَجِبُ نَفَقَتُهُ) أَيْ عَلَى الْإِمَامِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الضَّابِطِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْفِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ) كَانَ الْأَوْلَى: فَلَا فِطْرَةَ عَلَى الْمُكْتَرِي.

قَوْلُهُ: (فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَامِلِ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا مَا لَوْ حَجَّ بِالنَّفَقَةِ) كَأَنْ أَجَّرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِالنَّفَقَةِ قَبْلَ الْعَبْدِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا) وُجُوبُ نَفَقَةِ عَبْدِ الْمَسْجِدِ مِنْ رِيعِهِ، وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى جِهَةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ كَمَا يَأْتِي. وَاسْتِثْنَاءُ عَبْدِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ نَاظِرَ الْمَسْجِدِ تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ وَلَا تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَهُوَ عَبْدُ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ رِيعِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ مُلْزَمٌ بِهَا تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (مِلْكًا لَهُ) أَيْ لِلْمَسْجِدِ بِأَنْ وُهِبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ، فَإِنَّ الْمَسْجِدَ يَمْلِكُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ مِنْ النَّاظِرِ. وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْمَسْجِدِ أَنَّهُ يُبَاعُ فِي مَصَالِحِهِ دُونَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.

قَوْلُهُ: (عَلَى جِهَةٍ) كَالْفُقَرَاءِ أَوْ مُعَيَّنٍ كَرَجُلٍ وَمَدْرَسَةٍ، وَعَدَّدَ الْمِثَالَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُعَيَّنِ بَيْنَ كَوْنِهِ عَاقِلًا أَوْ لَا، كَذَا بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ.

وَقِيلَ: إنَّ قَوْلَهُ " كَرَجُلٍ وَمَدْرَسَةٍ " لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ) أَيْ وَلَوْ عَبْدًا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ " أَوْ كَانَ إلَخْ " مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، وَقَوْلُهُ " لَا الْحُرَّةِ " أَيْ لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ وَلَوْ كَانَتْ غَنِيَّةً فَلَا فِطْرَةَ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا تَلْزَمُهَا) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الْحَوَالَةِ، وَأَمَّا لَوْ جَرَيْنَا عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّمَانِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ إذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ كَمَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ إذَا أَعْسَرَ الضَّامِنُ، وَتَجِبُ فِطْرَةُ الزَّوْجَةِ الْمُطِيعَةِ وَخَادِمِهَا إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهَا أَوْ لَهُمَا دُونَ الْمُؤَجَّرَةِ بِالدَّرَاهِمِ.

قَالَ شَيْخُنَا ع ش: وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ فِي مِصْرِنَا وَقُرَاهَا مِنْ اسْتِئْجَارِ شَخْصٍ لِرَعْيِ دَوَابِّهِ أَوْ خِدْمَةِ زَرْعِهِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ لَا فِطْرَةَ لَهُ لِكَوْنِهِ مُؤَجَّرًا إجَارَةً صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَخْدَمَهُ بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَإِنَّهُ تَجِبُ فِطْرَتُهُ. وَأَمَّا الَّتِي صُحْبَتُهَا بِالنَّفَقَةِ فَلَا تَجِبُ فِطْرَتُهَا عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُسْتَأْجَرَةِ، أَيْ إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهَا مُقَدَّرَةً. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْوُجُوبَ، أَيْ إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهَا غَيْرَ مُقَدَّرَةٍ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ النَّفَقَةَ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ الْخَادِمَةُ مُتَزَوِّجَةً بِزَوْجٍ غَنِيٍّ فَالْقِيَاسُ الْوُجُوبُ عَلَى زَوْجِ الْخَادِمَةِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ، فَإِنْ أَعْسَرَ وَجَبَتْ عَلَى زَوْجِ

<<  <  ج: ص:  >  >>