{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: ٦٠] قَدْ عُلِمَ مِنْ الْحَصْرِ بِإِنَّمَا أَنَّهَا لَا تُصْرَفُ لِغَيْرِهِمْ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اسْتِيعَابِهِمْ، وَأَضَافَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الصَّدَقَاتِ إلَى الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى فَاللَّامُ الْمِلْكِ، وَإِلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ بِفِي الظَّرْفِيَّةِ لِلْإِشْعَارِ بِإِطْلَاقِ الْمِلْكِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى، وَتَقْيِيدُهُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى إذَا لَمْ يَحْصُلْ الصَّرْفُ فِي مَصَارِفِهَا اسْتَرْجَعَ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى عَلَى مَا يَأْتِي. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ تَعْرِيفِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَأَنَا أَذْكُرُهُمْ عَلَى نَظْمِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَالْأَوَّلُ الْفَقِيرُ وَهُوَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ لَائِقٌ بِهِ يَقَعُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَتْحُهَا. وَهُوَ مِنْ السُّكُونِ، كَأَنَّ الْعَجْزَ أَسْكَنَهُ أَوْ لِسُكُونِهِ إلَى النَّاسِ قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ مِنْ الْحَصْرِ) أَيْ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ وَيُسَمَّى قَصْرًا، وَهُوَ مِنْ قَصْرِ الصِّفَةِ وَهِيَ الصَّدَقَاتُ عَلَى الْمَوْصُوفِ؛ فَالْمَعْنَى عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا تُصْرَفُ لِهَؤُلَاءِ لَا لِغَيْرِهِمْ وَلَا لِبَعْضِهِمْ فَقَطْ، بَلْ يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ. وَالْمَعْنَى عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا تُصْرَفُ لِهَؤُلَاءِ لَا لِغَيْرِهِمْ، وَهَذَا يَصْدُقُ بِعَدَمِ اسْتِيعَابِهِمْ وَيَجُوزُ دَفْعُهَا لِصِنْفٍ مِنْهُمْ وَلَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَكَثِيرُونَ: يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ.
قَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ: ثَلَاثَةُ مَسَائِلَ فِي الزَّكَاةِ يُفْتَى فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْمَذْهَبِ: نَقْلُ الزَّكَاةِ وَدَفْعُ زَكَاةِ وَاحِدٍ إلَى وَاحِدٍ وَدَفْعُهَا إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (وَأَضَافَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ الْفَصْلِ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ وَبَيْنَ الْأَخِيرَيْنِ مِنْهَا بِلَفْظِ فِي مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِهَا فِي الْأُولَى كَمَا اكْتَفَى بِاللَّامِ فِي الْأُولَى مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ؟ قُلْت: لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ مِنْهُمْ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ وَالْغَارِمُونَ إنَّمَا يَأْخُذَانِ لِغَيْرِهِمَا وَالْأَخِيرَيْنِ يَأْخُذَانِ لِأَنْفُسِهِمَا اهـ أج. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْغَزِّيِّ: وَذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ فَاللَّامُ الْمِلْكِ لِإِطْلَاقِ مِلْكِهِمْ لِمَا يَأْخُذُونَهُ، وَفِي الْبَقِيَّةِ بِفِي الظَّرْفِيَّةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَسْتَرِدُّ مِنْهُمْ مَا أَخَذُوهُ إنْ لَمْ يُصْرَفْ فِيمَا هُوَ لَهُ سَوَاءٌ بَقِيَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، وَأَعَادَ فِي الظَّرْفِيَّةَ فِي قَوْلِهِ {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: ٦٠] إشَارَةً إلَى مُخَالَفَتِهِمَا لِمَا قَبْلَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَوَّلَيْنِ أَخَذَا لِغَيْرِهِمَا، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَأْخُذُهُ لِسَيِّدِهِ وَالْغَارِمَ لِلدَّائِنِ وَهُمَا أَيْ الْغَازِي وَابْنُ السَّبِيلِ أَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا اهـ. وَأَتَى بِالْوَاوِ دُونَ أَوْ لِإِفَادَةِ التَّشْرِيكِ بَيْنَهُمْ فِيهَا، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَصْنَافِ الْمَوْجُودِينَ بِهَا، قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَآخَرُونَ. وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَكَثِيرُونَ: يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ فَكَذَا هُنَا، شَرْحُ عب. وَإِنَّمَا بَدَأَ فِي الْآيَةِ بِالْفَقِيرِ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ.
قَوْلُهُ: (بِإِطْلَاقِ الْمِلْكِ) الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قَوْلُهُ: (وَتَقْيِيدُهُ) أَيْ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ بَلْ يُشْتَرَطُ صَرْفُهُ فِيمَا أَخَذُوهُ لَهُ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِهِ) أَيْ الْمِلْكِ، وَقَوْلُهُ " فِي الْأَرْبَعَةِ " أَيْ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ: (وَأَنَا أَذْكُرُهُمْ) الْمُنَاسِبُ الْإِفْرَادُ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى التَّعْرِيفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: وَأَنَا أَذْكُرُهُمْ أَيْ التَّعْرِيفَاتِ قَوْلُهُ: (مَنْ لَا مَالَ لَهُ) أَيْ عِنْدَهُ وَلَا كَسْبَ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالٌ وَلَا كَسْبٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ لَا يَلِيقُ، أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ كَسْبٌ لَا يَلِيقُ؛ لَكِنْ لَا يَقَعَانِ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ فَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِثَلَاثِ صُوَرٍ قَوْلُهُ: (لَائِقٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِمَحَلِّ اسْمِ لَا قَبْلَ دُخُولِهَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ الْمُنَاسِبَ تَنْوِينُ اسْمِ لَا لِأَنَّهُ مَوْصُوفٌ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمُضَافِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ وُصِفَ بَعْدَ دُخُولِهَا لَا قَبْلَهُ، وَخَرَجَ غَيْرُ اللَّائِقِ لِكَوْنِهِ حَرَامًا أَوْ يُزْرَى بِهِ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ " وَلَا كَسْبٌ " أَيْ لَائِقٌ بِهِ حَلَالٌ يَقَعُ مَوْقِعًا أَيْ يَسُدُّ مَسَدًّا، فَخَرَجَ بِاللَّائِقِ غَيْرُهُ فَهُوَ كَالْعَدَمِ؛ وَأَفْهَمَ أَنَّ أَهْلَ الْبُيُوتِ الَّذِينَ لَا يَعْتَادُونَ الْكَسْبَ بِأَيْدِيهِمْ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَخَرَجَ بِالْحَلَالِ الْحَرَامُ فَلَا أَثَرَ لَهُ. وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ وَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْهُ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ وَجْهُ إحْلَالِهِ اهـ. وَالْكَسُوبُ غَيْرُ فَقِيرٍ وَإِنْ لَمْ يَكْتَسِبْ إنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ وَقَدَرَ عَلَيْهِ وَلَاقَ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute