للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسَرَاوِيلَ فَإِنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدًا لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» . فَإِنْ قِيلَ السُّؤَالُ عَمَّا يُلْبَسُ فَأُجِيبَ بِمَا لَا يُلْبَسُ مَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَا لَا يُلْبَسُ مَحْصُورٌ بِخِلَافِ مَا يُلْبَسُ إذْ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي السُّؤَالُ عَمَّا لَا يُلْبَسُ وَبِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجَوَابِ مَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ السُّؤَالَ صَرِيحًا.

(وَ) الثَّانِي (تَغْطِيَةُ) بَعْضِ (الرَّأْسِ مِنْ الرَّجُلِ) وَلَوْ الْبَيَاضُ الَّذِي وَرَاءَ الْأُذُنِ سَوَاءٌ أَسَتَرَ الْبَعْضَ الْآخَرَ أَمْ لَا بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا عُرْفًا، مَخِيطًا أَوْ غَيْرَهُ كَالْعِمَامَةِ وَالطَّيْلَسَانِ، وَكَذَا الطِّينُ وَالْحِنَّاءُ الثَّخِينَانِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ عَلَى بَعِيرِهِ مَيِّتًا: لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» بِخِلَافِ مَا لَا يُعَدُّ سَاتِرًا كَاسْتِظْلَالٍ بِمَحْمِلٍ وَإِنْ مَسَّهُ، فَإِنْ لَبِسَ أَوْ سَتَرَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَرُمَ عَلَيْهِ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مُدَاوَاةٍ كَأَنْ جُرِحَ رَأْسُهُ فَشَدَّ عَلَيْهِ خِرْقَةً فَيَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] لَكِنْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ قِيَاسًا عَلَى الْحَلْقِ بِسَبَبِ الْأَذَى.

(وَ) الثَّالِثُ سَتْرُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الشَّيْءَ إذَا ضَمَمْتَ أَصَابِعَك عَلَيْهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْضِمَامِ أَطْرَافِهِ. وَرُوِيَ عَنْ كَعْبٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ لَبِسَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَالْأَوْلَى فِي الْمُقَابَلَةِ فَلَا حُرْمَةَ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ " وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ " أَيْ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَقَوْلُهُ " أَنَّ رَجُلًا " اُنْظُرْ مَا اسْمُهُ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ لَا يَلْبَسُ إلَخْ) حَاصِلُ مَا أَجَابَ بِهِ سَبْعَةٌ، وَقَوْلُهُ " الْقُمُصَ " بِصِيغَةِ الْجَمْعِ جَمْعُ قَمِيصٍ، وَقَوْلُهُ " لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ " أَيْ جَائِزَيْنِ كَالتَّاسُومَةِ، قَوْلُهُ: (وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ إلَخْ) بِأَنْ يَجْعَلَهُمَا كَالْبَابُوجِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الِاكْتِفَاءِ بِقَطْعِهِ الْخُفَّ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يُحِيطُ بِالْعَقِبِ وَالْأَصَابِعِ وَظَهْرِ الْقَدَمَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي تَحْرِيمَ السُّرْمُوجَةِ لِأَنَّهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَلْيَقْطَعْهُمَا " أَيْ قَبْلَ لُبْسِهِمَا، فَهُوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ.

وَمَحَلُّ جَوَازِ لُبْسِهِمَا بَعْدَ الْقَطْعِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِمَا وَعِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ " إلَّا أَحَدًا لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ " كَمَا فِي م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ إلَخْ) فَإِنْ لَبِسَهُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُعْتَادَةِ حَرُمَ مِنْ جِهَتَيْنِ اللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُعْتَادِ فِي لُبْسِهِ حَرُمَ مِنْ جِهَةِ الطِّيبِ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الرَّجُلِ) رَاجِعٌ لِلُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ.

قَوْلُهُ: (وَرَاءَ الْأُذُنِ) نَعَمْ لَا يَحْرُمُ سَتْرُ شَعْرٍ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ.

قَوْلُهُ: (بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا عُرْفًا) وَإِنْ حَكَى الْبَشَرَةَ كَثَوْبٍ رَقِيقٍ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاتِرًا هُنَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَالطَّيْلَسَانُ) مَا يُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ كَالشَّالِ. قَوْلُهُ: (الثَّخِينَانِ) فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الثَّخِينَيْنِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ قَطْعَ النَّعْتِ لَا يَجُوزُ فِي مِثْلِ هَذَا، بِخِلَافِ الرَّقِيقَيْنِ وَالْمَاءِ الْكَدِرِ فَلَا يَحْرُمُ انْغِمَاسُهُ فِي مَاءٍ كَدِرٍ، وَكَذَا وَضْعُ يَدِهِ عَلَى رَأْسِهِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ السَّتْرَ، وَكَذَا وَضْعُ نَحْوِ قُفَّةٍ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَعُمَّهَا أَوْ غَالِبَهَا وَلَمْ يَقْصِدْ السَّتْرَ، شَرَحَ م ر. قَوْلُهُ (مِنْ عَلَى بَعِيرِهِ) أَيْ مِنْ فَوْقِهِ فَعَلَى اسْمٌ.

قَوْلُهُ: (كَاسْتِظْلَالٍ بِمَحْمِلٍ) أَيْ وَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ السَّتْرَ، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا عُرْفًا. وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ قَصْدِ السَّتْرِ فَيَفْدِي وَإِلَّا فَلَا قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ زِنْبِيلًا، وَرُدَّ بِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ إذْ السَّاتِرُ مَا يَشْمَلُ الْمَسْتُورَ لُبْسًا أَوْ نَحْوَهُ وَنَحْوُ الزِّنْبِيلِ يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ، فَأَثَرُ الْقَصْدِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْهَوْدَجِ، اهـ شَرْحُ الْعُبَابِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَسَّهُ) غَايَةٌ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَبِسَ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ، وَقَوْلُهُ " أَوْ سَتَرَ ذَلِكَ " أَيْ الْمُحِيطَ بِالنَّظَرِ لِلُّبْسِ أَوْ بَعْضَ الرَّأْسِ بِالنَّظَرِ لِلسَّتْرِ، فَالْفِعْلَانِ تَنَازَعَا فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لِبَعْضِ الرَّأْسِ، وَمَفْعُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>