غَرَرَ. وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ.
ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ ظَاهِرٍ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ عَيْنٍ نَجِسَةٍ) سَوَاءٌ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهَا بِالِاسْتِحَالَةِ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ أَمْ لَا، كَالسِّرْجِينِ وَالْكَلْبِ وَلَوْ مُعَلَّمًا وَالْخَمْرِ وَلَوْ مُحْتَرَمَةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» وَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ» وَقِيسَ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا.
ثُمَّ أَخَذَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ مُنْتَفَعٍ بِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالًا، فَأَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ مُمْتَنِعٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَعَدَمِ مَنْفَعَتِهِ إمَّا لِخِسَّتِهِ كَالْحَشَرَاتِ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا كَالْخُنْفِسَاءِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يُذْكَرُ مِنْ مَنَافِعِهَا فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
تَلَفِ الْبَيْتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْبَاطِلَةِ أَنَّ الْبَائِعَ هُنَا عَيَّنَ الْبُرَّ ثُمَّ أَبْهَمَهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحِيطَا بِجَوَانِب الْبَيْتِ وَيَعْرِفَا تَخْمِينًا أَنَّهُ يَأْخُذُ كَذَا وَبِمِلْءِ الْبَيْتِ مِنْ الْبُرِّ الْمُعَيَّنِ حَالًا قَبْلَ تَلَفِ الْبَيْتِ، فَقَلَّ الْجَهْلُ هُنَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ؛ لِأَنَّ الْبُرَّ مُبْهَمٌ وَيُمْكِنُ تَلَفُ الْبَيْتِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِالْبُرِّ فَكَثُرَ الْجَهْلُ، وَلَوْ تَلِفَ الْبَيْتُ هُنَا فَالظَّاهِرُ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَأَيْضًا الْبُرُّ الْمُعَيَّنُ يَكْفِي فِيهِ التَّخْمِينُ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ الْغَيْرِ الْمَكِيلَةِ؛ بِخِلَافِ الْمُبْهَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ عَيْنٍ نَجِسَةٍ) أَيْ اسْتِقْلَالًا لَا تَبَعًا لِمَا هُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهُ، وَإِلَّا فَبَيْعُ أَرْضٍ بُنِيَتْ بِلَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ عُجِنَ بِنَجِسٍ صَحِيحٌ وَالْبَيْعُ وَاقِعٌ عَلَى الْجَمِيعِ م ر. وَقَالَ سم: الْوَجْهُ أَنَّ الْبَيْعَ وَاقِعٌ عَلَى الظَّاهِرِ؛ وَإِنَّمَا دَخَلَ غَيْرُهُ تَبَعًا بِنَقْلِ الْيَدِ فَرَاجِعْهُ. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ بَيْعَ الْخَزَفِ الْمَخْلُوطِ بِالرَّمَادِ النَّجِسِ وَالسِّرْجِينِ صَحِيحٌ كَالْأَزْيَارِ وَالْقُلَلِ وَالْجُرُرِ وَالْمَوَاجِيرِ وَغَيْرِهَا، وَيُعْفَى عَمَّا يُوضَعُ فِيهَا مِنْ الْمَائِعَاتِ فَلَا يَتَنَجَّسُ م د. قَوْلُهُ: (كَالسِّرْجِينِ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُعَلَّمًا) لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِطْفِيحِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَالْخَمْرِ) فِيهِ أَنَّ الْخَمْرَ يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ طُهْرَهُ لَيْسَ مَعَ بَقَاءِ كَوْنِهِ خَمْرًا، بَلْ انْتَقَلَ لِكَوْنِهِ خَلًّا بِخِلَافِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ مَعَ كَوْنِهِ جِلْدًا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُحْتَرَمَةً) وَهِيَ مَا عُصِرَتْ، أَيْ عُصِرَ أَصْلُهَا لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِيَّةِ. وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُحْتَرَمَةِ، هَذَا إنْ كَانَ الْعَاصِرُ لَهَا مُسْلِمًا، أَمَّا خَمْرَةُ الْكَافِرِ فَمُحْتَرَمَةٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا مُطْلَقًا وَلَوْ لِكَافِرٍ مِثْلِهِ وَإِنَّ اعْتَقَدَ الْحِلَّ.
قَوْلُهُ: «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» وَالنَّهْيُ عَنْ ثَمَنِهِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ بَيْعِهِ ع ش.
فَرْعٌ: لَا تَدْخُلُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَهَلْ لَا تَدْخُلُ وَإِنْ جَازَ اقْتِنَاؤُهُ أَوْ وَجَبَ كَمَا لَوْ عُلِمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ لَوْلَا اقْتِنَاؤُهُ لِحِرَاسَتِهِ؟ قَالَ الرَّمْلِيُّ: ظَاهِرُ مَا وَرَدَ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ حَائِضٌ مَعَ أَنَّهَا مَعْذُورَةٌ لَا صُنْعَ لَهَا فِي الْحَيْضِ عَدَمُ الدُّخُولِ هُنَا، سم عَلَى الْمَنْهَجِ ع ش عَلَى م ر. وَأَيْضًا لَا تُدَخِّلُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ أَوْ أَوَزٌّ أَوْ بَوْلٌ مَنْقُوعٌ أَيْ مَخْزُونٌ أَوْ فِيهِ صُورَةٌ. وَسَبَبُ عَدَمِ دُخُولِهَا أَنَّ إبْلِيسَ لَمَّا بَصَقَ عَلَى آدَمَ حِينَ كَانَ مُلْقًى عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ هَبَطَ جِبْرِيلُ وَكَشَطَ مِنْ الْبَزْقَةِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَأَلْقَاهَا فَخُلِقَ مِنْهَا الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ، وَثَانِي كَشْطَةٍ خُلِقَ مِنْهَا كَلْبُ الصَّيْدِ، فَهُمَا مَخْلُوقَانِ مِنْ أَثَرِ بَصْقَةِ إبْلِيسَ؛ وَالْمَلَكُ النَّازِلُ بِالرَّحْمَةِ وَإِبْلِيسُ لَا يَجْتَمِعَانِ.
قَوْلُهُ: (كَالْحَشَرَاتِ) وَأَصْلُهَا صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ، وَيُسْتَثْنَى نَحْوُ يَرْبُوعٍ وَضَبٍّ مِمَّا يُؤْكَلُ وَنَحْلٍ وَدُودِ قَزٍّ وَعَلَقٍ لِمَنْفَعَةِ امْتِصَاصِ الدَّمِ م ر. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ مَنْفَعَةَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْخَوَاصِّ فَمَا وَجْهُ اسْتِثْنَائِهَا دُونَ غَيْرِهَا؟ قُلْت: أَجَابَ شَيْخُنَا بِأَنَّ هَذِهِ لَمَّا اشْتَهَرَتْ وَعَلِمَهَا غَالِبُ النَّاسِ اُسْتُثْنِيَتْ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا لِاخْتِصَاصِهَا بِحُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ أج.
قَوْلُهُ: (كَالْخُنْفِسَاءِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مَمْدُودَةٌ، وَالْأُنْثَى خُنْفَسَاءَةٌ بِالْهَاءِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَقْرَبِ صَدَاقَةٌ. وَمِنْ مَنَافِعِهَا، أَيْ الْخُنْفُسَاءِ، أَنَّهُ