٣٢٠ وبهذا البحر جزيرة تظهر ستّة أشهر وتغيب ستّة أشهر بمن فيها، وهي جزيرة مدوّرة. وبه جزيرة ملكان، وهي دابّة عظيمة بحرية قد استوطنت تلك الجزيرة وعرفت بها، ولهذه الدابّة رؤوس كثيرة ووجوه مختلفة. وقيل إنّها مركب لبعض ملوك البحر لأنّ لها جناحين إذا أقامتهما وجمعت بينهما صار كأنّه رفّ عظيم منكس يظلّ من الشمس. وقد ذكرتها الأوائل وهي مثل الجبل العظيم الضخم.
٣٢١ ومنها جزيرة صيدون، وهي مسيرة شهر في مثله. وصيدون هذا ملك.
وكانت فيها عجائب كثيرة ومصانع رفيعة وأنهار وأشجار. وكان صيدون ساحرا وكانت الجنّ تطوف به وتعمل له العجائب، وكان له في وسط الجزيرة مجلس من ذهب على عمد من رفيع الجوهر يشرف على جميع الجزيرة. فدلّ بعض الجنّ سليمان علية فغزاه وخرّب الجزيرة وقتله وقتل أكثر أهلها لأنّهم كانوا يعبدونه، وأسر منهم خلقا فآمنوا. وأسر ابنة صيدون ولم يكن على وجه الأرض أجمل وجها منها ولا أكمل جمالا وظرفا، واصطفاها لنفسه وتزوّجها. فكانت تديم البكاء لمفارقتها أباها وأنس مملكته. فقال لها سليمان:
ما لي أن أراك كئيبة وأنا خير لك من أبيك وملكي أجلّ من ملكه. قالت:
أجل، ولكن إذا ذكرت كوني مع أبي وأنسي به هاج لي ذلك حزنا ووجدا، فلو أمرت الشياطين أن يصوّروا لي صورته، لأني إذا رأيتها سلوت عنه. فأمر الشياطين فعملوا لها صورة أبيها في مجلس مثل المجلس الذي كان فيه، وكان المتولّي لذلك شيطانا يصحب أباها وهو الذي أشار عليها بذلك. فكان ذلك المجلس والصورة في مقاصيرها التي صنع لها سليمان، وقد غرس لها فيها بدائع الأشجار وفجر فيها الأنهار في فناء ذهب وفضّة مطوّقة بأصناف الجوهر.
فعمدت إلى الصورة فألبستها أصناف الحرير من الثياب المنسوجة بالذهب