للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجعلت على رأسه إكليلا من الجوهر النفيس وألبسته تاجا منظوما بالجوهر الفاخر الملوّن، وجعلت حوله مساند الديباج المذهّب ونثرت عليه سحيق المسك وأوقدت بين يديه دخن العنبر وضروب الطيب، وفرشت بحذائه على بعد منه أصناف الأفاويه والرّياحين. فكانت تدخل إليه بكرة وعشية فتسجد له مع جميع وصائفها وخدمها كما كانت تصنع لأبيها. وكان قد دخل في هذا الصنم شيطان يخاطبها بلسان أبيها فيقول: قد أحسنت فيما فعلت، وما فقدت بك شيئا.

فاتّصل أمرها بآصف بن برخيا، وكان كاتب سليمان ومن أهله، وهو الذي كان عنده علم من الكتاب، وهو الذي أحضر عرش بلقيس. وكان علم موضع المرأة من قلب سليمان وحبّه لها، فلم يدر كيف يتوصّل إلى تعريفه بما أحدثت عنده إلى أن اتّجه له وجه ذلك. فقال: يا نبيّ الله إنّي قد كبرت ولا آمن الموت، وقد أردت أن أقوم مقاما أذكر فيه الأنبياء وأثني عليهم، فتأمر بإحضار الناس ووجوه بني إسرائيل فيجلسون في مراتبهم. فأجابه سليمان إلى ذلك فقام آصف بن برخيا على المنبر فخطب فحمد الله وأثنى عليه واستغفره وأقبل يذكر الأنبياء نبيّا نبيّا ويثني عليهم في صغرهم وكبرهم ومدّة أيّامهم، الى أن بلغ إلى داود فأثنى عليه واستغفر له، [ثمّ] ذكر سليمان فأثنى عليه في صغره خاصّة ولم يذكره في كبره ولا ذكر شيئا من أيّامه بخير ولا بشرّ. فاستحفظ ذلك سليمان فاستدعاه حاليا ووقفه على ذلك فقال:

ذكرت ما علمت. فلمّا ألحّ عليه قال له: وبم استحققت أن أثني عليك في أيّامك وغير الله يعبد في دارك منذ أربعين يوما؟ وما هذا جزاء نعمته عليك ولا شكر تمليكه لك. قال: فارتاع سليمان لذلك وقام فعاقب المرأة وكسّر الصنم، فهرب شيطانه فظفر به بعد ذلك وسجنه. وفتن لذلك سليمان وأخذت الجنّ خاتمه وخرج من ملكه، وكان يطوف في بني إسرائيل فينكرونه. فردّ الله عزّ وجلّ ملكه وخاتمه، وذلك بعد أربعين يوما وهي عدّة الأيّام التي سجدت المرأة فيها للصنم. ثمّ إنّ المرأة تابت وصحّ إسلامها. وكان ولد سليمان عليه السلام منها. وذكر المؤرّخون أنّ اسمها جرادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>